لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الحادي والعشرين بعد المئتين على التوالي.
ملف العسكريين المخطوفين لا يزال أسير الاستعراضات والعروض الملتبسة، فيما ملف سلامة الغذاء «ينضح» كل يوم بمزيد من الفضائح المتدحرجة في كل الاتجاهات، وصولاً إلى إهراءات القمح في مرفأ بيروت، والتي تحوّل محيطها إلى «ملاذ آمن» للجرذان والطيور!
ويبدو أن الآتي أعظم، مع توقع إعلان وزير الصحة وائل أبو فاعور اليوم عن أسماء مطاعم فخمة في وسط بيروت، غير مطابقة للمواصفات الصحية، ضُبطت بالجرم المشهود في مطابخها.
ليس هذا على فظاعته وقسوته كل شيء، إذ ان فرق وزارة الصحة ضبطت أيضاً في مرفأ طرابلس قرابة 700 طن من مواد السكر منتهية الصلاحية، والجاهزة للتوزيع في البلد.
هكذا ينتهي العام 2014 على مشهد مأساوي للواقع الغذائي قي لبنان، يُفترض أن يتصدّر في مطلع العام 2015 الأولويات الرسمية وأن يدفع الى تنشيط المؤسسات الدستورية المصابة بالوهن في زمن الشغور الرئاسي، مع ما يستوجبه ذلك من إسراع في تفعيل آليات الرقابة وإقرار التشريعات الضرورية للحماية.
لكن السؤال الملحّ هو: كيف يمكن لدولة نخرها الفساد أيضاً أن تكون ضمانة للمعالجة المطلوبة، وللإصلاح المنشود في القطاع الغذائي وغيره من المجالات، خصوصاً أن طرق التحايل كثيرة و«المافيات» متغلغلة في قلب الدولة؟
وعُلم أن أبو فاعور اتصل أمس بوزير العدل أشرف ريفي وطلب منه التحرك سريعاً لأن الملفات المحالة من وزارة الصحة الى النيابة العامة تتراكم، مقترحاً عليه إنشاء نيابة عامة صحية تتولى ملاحقة ملف الأمن الغذائي، «وفي انتظار إقرار قانون بهذا الصدد في مجلس النواب، يمكن للنيابة العامة أن تنتدب قضاة يتولون حصراً الملف الصحي لتسريع الإجراءات والملاحقات».
وأطلق أبو فاعور عبر «السفير» صرخة بأن ليس هناك فساد وحسب، بل انهيار شامل للدولة، ما يحتاج الى حالة طوارئ صحية بكل معنى الكلمة، مناشداً الرئيس نبيه بري الدعوة الى جلسة نيابية عامة، لا تناقش فقط قانون سلامة الغذاء إنما واقع الانهيار الشامل الذي يفسح المجال أمام ظواهر من نوع الفساد الغذائي.
كما ناشد وزير الصحة رئيس الحكومة تمام سلام الدعوة في أقرب وقت الى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء تخصص لمناقشة هذا الملف، واتخاذ قرار سياسي بالمضي قدماً في هذه المعركة، وبالتالي اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية وقضائية وقانونية لا تجعل أحداً بمنأى عن المحاسبة، وقال: هناك أشخاص يلبسون ربطات عنق في بعض المؤسسات يجب أن يوضعوا اليوم قبل الغد في السجون.
وكشف أبو فاعور عن أن فرق وزارة الصحة وخلال كشفها، أمس الأول، على مرفأ طرابلس، تبين لها وجود 700 طن من مواد السكر المنتهية الصلاحية الجاهزة للتوزيع في البلد، وسأل مَن هو المسؤول عن هذه الفضيحة؟
وأوضح أن فرق الوزارة نظمت جولات مفاجئة على مطابخ عدد من المطاعم الفخمة في وسط بيروت التجاري، ليتبين أن معظمها لا يستوفي شروط السلامة الغذائية.
وسيصار الى الإعلان عن اسماء بعض المطاعم والمؤسسات في المؤتمر الصحافي الذي سيعقده اليوم في وزارة الصحة، ويقدم خلاله جردة شاملة بما أنجز، وبما سيتم استكماله في العام الجديد.
وأعلن أبو فاعور عن أنه سيطلب اليوم إقفال بعض المطاعم والأفران إلى حين استيفائها الشروط المطلوبة، محذراً من أن البعض مصرّ على التحايل عبر القيام بإجراءات شكلية بينما الواقع لا يشي باستيفاء الشروط.
وقال أبو فاعور لـ «السفير» إن البعض أراد اختزال الجولة الوزارية في مرفأ بيروت بالجلوس في إحدى القاعات وتقديم عرض متلفز أمام الاعلاميين للقول إن ثمة إجراءات اتخذت بعد جولة مفتشي وزارة الصحة قبل أقل من اسبوعين، «لكننا تمسكنا بمبدأ المعاينة بالعين المجردة، وأستطيع القول إن الوضع في محيط الإهراءات التي يُفترض تسميتها بـ «الاهتراءات» وداخلها وفي البواخر، هو كارثي بكل معنى الكلمة».
واذ اشار أبو فاعور الى أن المسؤولية لا تقع على المدير العام المعين منذ شهور قليلة بل هي مسؤولية من جعل الإهراءات متروكة منذ سنوات، حالها كحال مرافق أخرى على تماس مع الأمن الغذائي في المطار ومرفأ طرابلس وباقي المرافئ والمرافق العامة، أوضح أنه أحال هذا الملف الى النيابة العامة لأنه لا يجوز استمرار الاستهتار بحبة القمح التي تدخل في معظم مكونات أكل اللبنانيين، مثلها مثل السكر الفاسد الذي تم العثور عليه في طرابلس.
وتابع: لا طريقة نقل القمح وتوضيبه في بعض البواخر صحية، ولا طريقة نقله الى الإهراءات وتخزينه فيها صحيحة، وكذلك الأمر بالنسبة الى طريقة نقله الى المطاحن بواسطة شاحنات معظمها لا تستوفي شروط السلامة الغذائية.

جولة المرفأ

وكان وزراء الصحة وائل ابو فاعور والزراعة اكرم شهيب والاقتصاد آلان حكيم، قد تفقدوا أمس، اهراءات القمح في مرفأ بيروت، حيث عاينوا موقع تسليم الحبوب في الشاحنات والبنى التحتية، والرصيف 8 حيث معدات تفريغ البواخر وشحنها.
وبعد الجولة، قال شهيب إن البيئة المحيطة بالاهراءات غير نظيفة، ولا يجوز أن تبقى القوارض موجودة. وتابع: في مرفأ بيروت 4 آلاف سائق شاحنة لا يتوافر لهم حمام لقضاء الحاجات!
وقال ابو فاعور: هناك حمام ويمام داخل المرفأ، منه ميت ومنه حي عالق، كما أن المكان خطير لكونه مفتوحاً على التلوث لوجوده إلى جانب المياه الآسنة والنفايات، وفي المرفأ مكان شبيه بوليمة يومية للجرذان، أما الشاحنات التي تنقل الحبوب، فإن وضعها سيئ جداً. وتابع: إن اللبناني يتقاسم حبة القمح مع الجرذان.
وأشار حكيم الى ان «هناك شوائب داخلية تستمر ملاحقتها بأسرع وقت ممكن من خلال الرقابة منذ 15 يوماً، والإدارة الجديدة بدأت عملياً بمعالجة كل هذه الامور من صيانة المعدات والتجهيزات الى البيئة الحاضنة»، واعداً بـ «الوصول الى بيئة حاضنة سليمة»