العام 2014 ـ “السابقة” في تاريخ لبنان السياسي يمكن اختصار أبرز سماته بتعطيل آليات الحكم، عبر عجز متواصل عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتمديد قسري للبرلمان فرضته الأحداث الأمنية، وحكومة “24 فيتو” آلت إليها مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية في ضوء العجز عن انتخاب رئيس جديد، فإذا بها تتجنب البحث في أي مواضيع خلافية خشية انفراط عقدها باعتراض من هذا الفريق او “لا” من آخر.
ورغم ان الحركة السياسية اللبنانيةـ اللبنانية عبر ما يحكى عن حوارات ثنائية، أو الحِراك الديبلوماسي ولا سيما لفرنسا، يوحيان بمساع داخلية وخارجية حثيثة للخروج من دوامة الجلسات غير مكتملة النصاب لانتخاب رئيس والتي بلغ عددها 16، إلا أنه بات من الواضح أن الملف الرئاسي رُحّل كما كل الملفات الأخرى إلى ما بعد عطلة الأعياد وحلول السنة الجديدة.
صحيفة “الراي”، وبعدما استذكرت أبرز أحداث 2014 مع منسق الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار الدكتور فارس سعيْد، سألته عن مقاربة هذه القوى لعدد من الملفات الشائكة التي شغلت اللبنانيين خلال هذا العام، متوقفة عند قراءته لمستقبل الأوضاع وما ستحمله سنة 2015. وفي ما يلي نص الحوار:
- *العلامة الفارقة التي طبعت 2014 كانت تعطيل الدولة ومشروعها من خلال العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية، التمديد للبرلمان والعجز الحكومي.. ما سرّ هذا التعطيل المتمادي برأيك في هذا العام؟
ـ مع بداية العام 2014، انطلقت أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي اتهمت بشكل واضح ولا لبس فيه عناصر من “حزب الله” باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 فبراير 2005. ورغم هذا الاتهام، وبداية المحاكمات التي شهدنا مرحلتها الثانية في نهاية العام 2014، تعالى الرئيس سعد الحريري عن جراحه، وذهب في اتجاه تشكيل حكومة سُميت بـ”حكومة المصلحة الوطنية” مع الطرف الآخر تحت عنوان أنه تنازل عن مبدأ عدم الجلوس مع “حزب الله” ما دام الحزب يقاتل في سوريا، وفي المقابل تنازل الحزب عما يسمى الثلث المعطل وقبِل بمرحلة الـ “لاث ثمانيات”. هذه الحكومة هي التي طبعت بداية هذا العام، وسميت من الرئيس الحريري آنذاك بحكومة “ربط النزاع”، بمعنى أن الخلافات تبقى قائمة بيننا وبين الفريق الآخر، إنما نذهب ـ تحت عنوان المصلحة الوطنيةـ لإدارة شؤون اللبنانيين رغم الخلافات القائمة.
ومع الوقت تحوّلت هذه الحكومةـ لسوء الحظ ـ إلى مجلس بلدية لبنان الكبير. خرجت القرارات السياسية الحاسمة من يدها وتُرك لها فقط عملية الأمن الغذائي، الهاتف الخليوي، النفايات.. اي كل ما يخص يوميات اللبنانيين بقي لدى هذه الحكومة، أما قرارات الحرب والسلم وقرار قتال “حزب الله” في سوريا، وقرار أمن الحدود اللبنانيةـ السورية، وقرار دعم الجيش اللبناني وقرار احترام اتفاق الطائف، وقرار استكمال عملية بناء الدولة وانتخاب رئيس الجمهورية .. كل هذا خرج من يد هذه الحكومة، وتقلّص دورها عن منطلقاتها في بداية 2014 حتى تحولت في نهاية العام إلى مجلس بلدية لبنان الكبير وليس إلى حكومة لبنان الممسكة بكل زمام الأمور.
هناك مَن يقول انه رغم أنها مجلس بلدية لبنان الكبير لكن الأفضل أن تكون موجودة من ألا تكون، وأنا من هذا الرأي. لأننا تجاوزنا خلال العام 2014 المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية ولو لم تكن هذه الحكومة موجودة بدستوريتها وشرعيتها، لكان لبنان في عملية انهيار سياسي ودستوري أكبر مما هو عليه اليوم.
النقطة الثانية التي تميّز بها العام 2014، هي عدم قدرة اللبنانيين على التوصل لانتخاب رئيس جديد للبنان. وهذا الموضوع يعود إلى قرار إيران باحتجاز رئاسة الجمهورية كورقة ضغط تأمل في أن تكون من الأوراق التي تتفاوض حولها مع الولايات المتحدة. رفْض الولايات المتحدة أن تُدخِل على الملف النووي أو على الهندسة الكبرى للمفاوضات مع إيران موضوع لبنان وموضوع رئاسة الجمهورية أدى إلى أن عطّل “حزب الله” عملية انتخاب رئيس في لبنان إلى حين تنقشع الأمور بين إيران وبين الولايات المتحدة. وقد استخدم الحزب في هذا التعطيل العماد ميشال عون وفرض أمراً واقعاً تجلى في ذهاب قوى الرابع عشر من آذار، التي تبنت ترشيح الدكتور سمير جعجع، الى البرلمان في كل مرة يتحدد فيها جلسة انتخاب لمجلس النواب، فيما كان الفريق الآخر يطيح بهذا الاستحقاق بشكل علني. وعدم انتخاب رئيس للجمهورية يرتّب علينا مشاكل كبيرة.
ثالثاً ما طبع العام 2014 أيضاً على المستوى الداخلي، هو التمديد لمجلس النواب. وهذا التمديد انقسم اللبنانيون حوله بين مَن حاول القول انه غير ديموقراطي وغير دستوري، وهذا كلام صحيح، وبين مَن كان يقول ان هذا التمديد قسري ومفروض علينا جميعاً، لأنه لا على المستوى الأمني ولا على مستوى الجهوزية السياسية كانت هناك إمكانية لإجراء انتخابات نيابية.
واذا اخذنا في الاعتبار أن التمديد أصبح أمراً واقعاً حتى يونيو 2017 وإذا كانت الحكومة قائمة ولو عملت على قاعدة أنها مجلس بلدية لبنان الكبير وليست حكومة لبنان، يبقى أن عدم انتخاب رئيس جمهورية يكشف الدولة اللبنانية أمام كل الاحتمالات السيئة التي تطل برأسها من حولنا، وبالتحديد تداعيات الأزمة السورية علينا.
والذي برز أيضاً في العام 2014، كحدَث أساسي هو موضوع خطف العسكريين على الحدود اللبنانية ـ السورية في الثاني من شهر أغسطس خلال المعركة التي قادها الجيش اللبناني في مواجهة المسلحين القادمين من سورية ومن منطقة القلمون على الحدود اللبنانية ـ السورية. هذه الأزمة وغيرها من الأزمات كان يمكن أن تُحل بشكل أفضل لو كان هناك رئيس للجمهورية قادر على اتخاذ القرارات بدل أن يكون القرار في يد 24 وزيراً يتقاسمون صلاحيات رئيس الجمهورية ويملك كل واحد منهم حق “الفيتو”.
خامساً على المستوى الاقتصادي والمعيشي، هناك تردٍّ حقيقي لمعيشة اللبنانيين، وهناك بداية انزعاج جدي من وجود النازح السوري في لبنان. كنا نعتقد أن هذا الانزعاج له لون طائفي على قاعدة أن المسيحي منزعج من وجود غالبية مسلمة في لبنان مع النازح السوري، لكن سرعان ما تبين أن هذا الانزعاج هو من طبيعة اجتماعية ومن طبيعة إدارية أكثر مما هو من طبيعة طائفية. ففي المنية، عكار، البقاع وفي إقليم الخروب وصيدا، انزعاجٌ من النازح السوري بقدر ما هو موجود في جونية وجبيل والمتن الشمالي وزحلة وجزين. وهذا يدلّ على أن عبء النازح السوري في لبنان أصبح حقيقياً؛ فمن جهة لا يمكن للبنان أن يتعامل مع النازح السوري خارج الأخلاقيات الإنسانية التي يتمتع بها الشعب اللبناني. وهذا قدَرنا أن نقف إلى جانب الشعب السوري المقهور. ومن جهة أخرى يرتّب علينا هذا الوقوف الأخلاقي والإنساني أعباء اجتماعية وأمنية وسياسية هائلة لا يمكن أن نستمر في تحملها.
سادساً، أصبحت صورة الطبقة السياسية اللبنانية خلال العام 2014 شاحبة. فقد فقدت الطبقة السياسية اللبنانية بكل تلويناتها، الإسلامية والمسيحية، السنية والشيعية، بريقها وهذه اللمعة التي كان يتمتع بها السياسي اللبناني. وأصبح الناس ينظرون إلى السياسة وكأنها مصدر خطر أو مصدر قلق عليهم بدل أن ينظروا إلى الطبقة السياسية على أنها المولجة بإدارة شؤونهم، وبالتالي بات يذهب اللبناني العادي إلى الترف ومتابعة البرامج الترفيهية عوضا عن مواكبة الحدَث السياسي اليومي. وإذا لم يكن هناك حدث أمني حقيقي يهز أرجاء البلد، لا يتابع أحد ماذا يجري في سورية أو في العراق أو في لبنان. اليوميات اللبنانية باتت أهمّ من متابعة الأحداث السياسية لدى المواطن العادي في لبنان.
- *عشية حلول 2015 هناك مؤشرات الى إمكان كسر المأزق السياسي والدستوري في لبنان من ضمنها الحركة الديبلوماسية الخارجية لاسيما الفرنسية، والحراك الداخلي في اتجاه الحوارات الثنائية. هل هذه المعطيات تؤشر إلى إمكان خروج لبنان من هذا الفراغ المتمادي؟
ـ بداية أريد أن أسجّل أن هناك إرادة وطنية لبنانية بعدم العودة إلى الحرب الأهلية في لبنان. ربما ذاكرة الحرب الأهلية لجيلي على الأقل لا تزال حية في عقولنا ولا أحد منا يريد العودة إلى التسلح أو التفلت أو الاقتتال الداخلي.
وثانياً هناك رغبة إقليمية أيضاً في إبقاء لبنان على قاعدة الاستقرار، ولا أحد يريد أن يرى لبنان ينزلق خلف أحداث المنطقة. ففي العام 1975 كان يُقال ان المطلوب حصْر العنف في لبنان لحماية العواصم العربية. واليوم المعادلة مقلوبة بمعنى ان المطلوب تشجيع السلام والاستقرار في لبنان كخطوة باتجاه استقرار المنطقة.
ثالثاً هناك أيضاً مظلة دولية تحمي لبنان وهذا ما ظهر من خلال حركة الموفدين، ومن خلال أبراج المراقبة البريطانية على الحدود اللبنانية ـ السورية، ومن خلال الدعم السعودي ـ الفرنسي ـ الأميركي للدولة والجيش اللبناني، ومن خلال دعم مراكز القرار الدولية لحكومة الرئيس تمام سلام. جون كيري جاء إلى لبنان في العام 2014 وزار رئاسة الحكومة لساعات، وأعطاها الدعم الأميركي والدعم الدولي المطلوب كي تستمر برعاية يوميات اللبنانيين.
وأقول انه في مقابل الصورة القاتمة هناك أيضا صورة غير قاتمة نتيجة وجود ثلاث إرادات: إرادة وطنية، إقليمية ودولية بالحفاظ على لبنان وعلى استقراره.
الحوارات الداخلية التي نتكلم عنها هي حوارات مفيدة، سواء كانت بين “المستقبل” و”حزب الله” أو بين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون. إنما لا أضع هذه الحوارات في الخانة المذهبية والطائفية فقط، فأنا لا أتكلم عنها على أنها حوار إسلاميـ إسلامي مفصول عن الحوار الوطني، أو حوار مسيحيـ مسيحي مفصول عن الحوار الوطني. الانقسام القائم في لبنان اليوم هو من طبيعية سياسية وليس طائفية، فحتى لو اجتمع عون مع جعجع أو “حزب الله” مع “المستقبل”، فإن ما يجمعهم أو يفرّقهم ليس الدين وليس الانتماء الطائفي، إنما الخيار السياسي والوطني للبنان. فأنا اذا كنتُ أحاور العماد عون من مقلب الدكتور سمير جعجع أقول له (لعون) انني على كامل الاستعداد لانتخابه رئيساً للجمهورية إذا كان مستعداً لتنفيذ الدستور اللبناني. بمعنى أن يقف سداً منيعاً أمام تفلُّت السلاح وأمام ازدواجية أن يكون في لبنان جيشان، جيش اسمه “حزب الله” ينتمي ويأخذ أوامره من الولي الفقيه ومن الحرس الثوري الإيراني، وجيش اسمه الجيش اللبناني نتكلف جميعنا كلبنانيين من أجل دعمه ومن أجل أن يكون لحماية البلد ومصالحه وفق رؤية تضعها الدولة والسلطة السياسية.
أنا أدعم العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية إذا طلب خروج «حزب الله» من سورية، وإلا كرئيس جمهورية لبنان يطلب من الحزب عدم المشاركة في الحكومات أو عدم المشاركة في إدارات الدولة. فأن يكون الحزب داخل وخارج الدولة وأن يكون الحزب كما يقال بالعامية “يأكل البيضة وتقشيرتها”، فهذا الأمر لا يمكن أن يستمر.
الخلاف بالتالي ليس من طبيعة أننا ننتمي إلى عشيرة المسيحيين أو إلى عشيرة المسلمين، وإذا جلسنا مع بعضنا البعض نوجّه هذا الجلوس في مواجهة الآخر. الانقسام في لبنان هو حول الخيارات السياسية، وهذه الخيارات السياسية هي خيارات تقسم المسيحيين كما تقسم أيضاً المسلمين، والمطلوب هو مواجهة هذا الانقسام حول الخيارات من مساحة وطنية مشتركة وليس من مساحة مذهبية. المطلوب أن نتوصل إلى عملية حوار وتصدٍ لمشروع “حزب الله” من مساحة وطنية حقيقية إسلاميةـ مسيحية، وهنا يكمن دور “14 آذار” الذي يجب أن تلعبه.
- *العام 2014 كرس ما يوحي بأنه تسليم داخلي وخارجي بمشاركة “حزب الله” في الحرب السورية؟
ـ أنتِ مَن تقولين اننا سلمنا بأن هذا الموضوع يجب أن ننساه.
- *المقصود انه تم إبقاء لبنان في ما يشبه غرفة انتظار لما سيؤول إليه الوضع؟
ـ لا، تنبهنا للأمر. وأنا واحد من الذين تنبهوا، فقد كنت من المطالبين بخروج “حزب الله” من سوريا. واليوم ألمس أن وجود هذا الحزب في سوريا ووجود كل الميليشيات الشيعية في المنطقة أيضاً في سوريا التي تمثل فيتنام المنطقة اليوم، هو انكسار لـ”حزب الله” ولكل هذه الميليشيات الشيعية في المنطقة. وبالتالي فليبق الحزب في سورية إذا أراد، لأن بقاءه هو بداية نهايته في لبنان وسورية وكل أنحاء العالم العربي، وبالتالي فالموضوع ليس موضوع تسليم بقدر ما هو موضوع تنبُّه الى أن ما يجري في سورية أكبر من “حزب الله” وربما أكبر مما كانت تطمح إليه إيران. فإذا نظرنا إلى الأزمة السورية، نجد ان ثلاث قوى إقليمية غير عربية تعاطت فيها هي تركيا، إسرائيل وإيران. تركيا تفرض دفتر شروط حتى تتدخل في سورية ولم تتدخل حتى هذه اللحظة. إسرائيل تدخلت فقط عندما كان هناك خطر انتقال أسلحة مهددة لأمنها من يد النظام إلى يد «حزب الله»، وبالتالي تتدخل بشكل محسوب جداً وبشكل “نقطة خلف نقطة”.
أما مَن دخل في المستنقع السوري، في فيتنام سوريا، ويدفع الأثمان بعد الأثمان، فهو الجانب الإيراني بكل تفرعاته ومن ضمنه “حزب الله”. أي أن إيران التي تخضع لعقوبات اقتصادية والتي حلّت جزءاً منها بالتفاوض مع الولايات المتحدة، مضطرة لأن تستمر بدفع الأموال من أجل إبقاء نظام بشار الأسد قائماً، وهذه الجهود المبذولة من إيران ترتّب عليها أعباء مالية واقتصادية وسياسية وأخلاقية، بمعنى أنها من خلال تدخلها في سورية جنّدت كل الرأي العام الإسلامي السني من المغرب حتى المشرق ضدها، وبالتالي استنزاف إيران في سورية يضرّ بإيران وبتفريعاتها في المنطقة ومن ضمنها “حزب الله” في لبنان.
ومن هنا لا أعتقد أن الموضوع يتعلّق بالتسليم او عدمه، فجميع اللبنانيين يريدون رؤية “حزب الله” منسحباً من سوريا ليس فقط من أجل تنفيذ القانون أو الدستور اللبناني بأنه يجب ألا نتدخل في شؤون غيرنا، إنما أيضاً هناك شيء أخلاقي؛ إذ إن الشعب السوري يتعرض منذ أربع سنوات إلى جريمة موصوفة من قبل النظام السوري، وليس من المستحب أن يكون فريق لبناني سواء أكان شيعياً أو سنياً أو مسيحياً أو درزياً مساعِداً ليد الإجرام السورية التي تفتك بالشعب السوري. هذا موضوع لا نحمله، ولا تحمله هذه الطائفة التي تحتضن «حزب الله» لا اليوم ولا في المستقبل.
من هنا كنا نطالب وحرصاً منا على الوحدة الداخلية وعلى الطائفة الشيعية بألا يورّط الحزب هذه الطائفة في مواجهة أخلاقية حتى لا تخضع في المستقبل إلى أحكام قد تكون مجحفة في حقها. أي أن الذي ورّط الشيعة بالقتال في سورية ليس إرادة شيعية، بل إرادة “حزب الله” هي التي ورّطت الطائفة الشيعية.
- *هل يمكن استشراف أمر ما في هذا الإطار، كيف تقرأون مستقبل هذا الوضع؟
ـ هناك مَن قال لي ان “حزب الله” يريد الانسحاب من سورية، وأنا أقول ان إيران لا تستطيع الانسحاب من سورية. لأنه إذا سقط بشار الأسدـ رمز النفوذ الإيراني في سورياـ فإن إيران تكون في رأيي انسحبت ليس فقط من سورية ومن لبنان وإنما أيضاً من العراق. وبالتالي هي تخوض معركة الرمق الأخير والنفَس الأخير في سورية، تحت ضغوط أمنية سياسية اقتصادية وأخلاقية وأعباء مالية هائلة.
- *عشية سنة 2015، أعلن عقل 14 آذار وضميرها الأستاذ سمير فرنجية أن 14 آذار أصبحت عاجزة عن المبادرة.. هل في هذا القول جلْد للذات أم مقاربة موضوعية للأمور؟
ـ أولاً نحن على قاب قوسين من الذكرى العاشرة لانتفاضة الاستقلال. وأنا أطالب كمنسق للأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار كل القوى السياسية في 14 آذار بأن تجعل من هذه المناسبة، محطة لإعادة قراءة الأحداث منذ لحظة 2005 وحتى اليوم حتى نرى ونلمس أين أصبنا وأين أخفقنا.
إن المراجعة النقدية والموضوعية لكل حركة سياسية امر مطلوب، وهي مراجعة طالبتُ بها شخصياً في اجتماع كبير في بيت الوسط في حضور الرئيس سعد الحريري عندما أتى إلى لبنان، وقلتُ هذا الكلام أمام الجميع وطالبتُ الجميع قيادات وأحزاب وشخصيات وكل مكونات 14 آذار أن نجعل من مناسبة الذكرى العاشرة لانتفاضة الاستقلال مناسبة لإحداث ورش عمل على كل المستويات تمتدّ من 14 فبراير 2015 ـ أي لحظة استشهاد الرئيس رفيق الحريري وحتى 14 مارس 2015، أي لمدة شهر كامل من أجل إعادة قراءة الأحداث وبهدف تحديد العناوين السياسية والانطلاق مجدداً لمواجهة خيارات اللبنانيين.
ما قاله الصديق سمير فرنجية قاله بدقة، بأن هناك اثنين 14 آذار: 14 آذار الفكرة والشعبية التي لا تزال قائمة ولا تزال شعلة مضيئة في قلب وضمير كل لبناني شارك في ذاك النهار المجيد ويعتبر أن لا حلول طائفية لأزمة الطوائف ولا حلول فردية لأزمة الأفراد، إنما حل وطني للجميع من خلال 14 آذار. وهناك 14 آذار السياسية أو الطبقة السياسية التي تمثّلها، وهي كأي طبقة سياسية، وبعيداً عن جلد الذات، أخفقت في أمكنة وأصابت في أمكنة أخرى. لا يمكن أن نقول ان هذه الأحزاب أو القيادات السياسية لم تعمل إلا الإخفاقات تلو الإخفاقات، فهذا الكلام غير صحيح. ولا يمكن أن نقدم لها ايضاً الأوسمة بأنها كانت صائبة في كل خياراتها أو كل سلوكها.
14 آذار الفكرة والناس والطبقة السياسية، عليها أن تجعل من مناسبة الذكرى العاشرة محطة لإعادة الوصل وإعادة تحديد الخيارات والعناوين السياسية من أجل الانطلاق مجدداً إلى الامام. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا لو لم تكن “14 آذار”، وليس إن كانت أخفقت أو لم تخفق. لو لم تكن 14 آذار موجودة في البلد، كان سيعيش كل شخص همومه من مربّعه الطائفي. المسيحي كان لينظر إلى أحداث المنطقة بعين القلق، وهو يبحث عن حمايات أكانت أجنبية أو تحت عنوان تحالف الأقليات، والسني كان سيقول لماذا عليّ أن أظلّ في خيار الدولة والعبور إليها، بل أنشئ ميليشيا سنية تواجه الميليشيا الشيعية القائمة. والشيعي كان سيقول بما أن “حزب الله” يؤمن لي الخدمات التي ما كنتُ قادراً على تأمينها، عليّ أن أظل داعماً له.
لا. 14 آذار ما زالت ضمير هذا البلد والقدوة والمثال، وأنا أؤكد أنها لا تزال على موعد مع مستقبل لبنان. حبذا لو تكون الذكرى العاشرة مناسبة حقيقية لإطلاق ورش عمل من أجل إعادة قراءة ما جرى ومن اجل المراجعة النقدية العلمية بعيداً عن المزايدات، وتحديد العناوين من أجل مواجهة المستقبل موحّدين.
- *استناداً إلى خبرتك ومتابعتك للأحداث، أي عنوان تمنحه للسنة الجديدة؟
ـ سنة سقوط بشار الأسد وبداية تراجع النفوذ الإيراني من البحر المتوسط، أي عودة إيران إلى داخل إيران.
المصدر :الراي الكويتية