في اللعبة الدولية أو وفق ما يسميها البعض، لعبةُ الأمم التي لا ترى أمامها سوى مصالحها فقط. فما إن انطلقت عجلات الحوار بين مكوِّنين أساسيين في البلد أي بين حزب الله وتيار المستقبل وسط ترحيب واسع من معظم الأطراف اللبنانية نظراً لما يحمله هذا الحوار من إيجابيات تنفس الإحتقان الشيعي السني وغيره، أتت طلقات المحكمة الدولية لتصيب هذا الحوار في الصميم لتعيد الأمور مجدداً الى نقطة الصفر بعد تسريبها معلومات عن إمكانية إتهام لعنصر سادس من حزب الله قد يكون أحد نوابه...
ولعلَّ السؤال الأبرز الذي يَطرحُ نفسه اليوم، لِمَ هذا التسريب الآن؟ ولمَ سُربَ في وقت أشيعت أجواء إيجابية عن الحوار بين الطرفين المذكورين؟ أليس في هذا التسريب لعبَة قذرة لإعادة الشحن الطائفي الى الساحة السياسية اللبنانية؟
إذاً المحكمة وفضلاً عن العيوب والشوائب والنكسات التي لحقت في أدائها وتشكليها وخاصةً ما يتعلق بشهادة النائب مروان حمادة والتناقضات والتباينات التي قرأناها، هي تسير وفق برنامج سياسي مرسوم لها يضاهي البرنامج القضائي وإحقاق العدالة، بدليل أنَّه كلّما حاول اللبنانيون أن يلملموا أنفسهم ويجلسوا الى طاولةٍ واحدةٍ لتضميد الجراح ورتق ما فُتق بينهما وردم الهوة التي أوجدتها الخلافات السياسية والمصالح الدولية والإقليمية، تأتي الألغام الدولية أو ألإقليمية مجدداً لتبدّد الأجواء الإيجابية لأنها لا تريد للبنان واللبنانيين خيراً...
من هنا لا بد من الأفرقاء المتحاورين أن يعوا خطورة هذا الإتهام الجديد وأن يكونوا على قدرٍ كبير من المسؤولية فلا تتغير اتجاهات الحوار أو بنوده المعلنة الى بنود تفرض مجدداً وفق الأجندة اليومية...
إنّ المصالح الدولية والدول الكبرى يزعجها جداً أن ترى هذْين الفريقين يحاولان إيجاد مساحات للقاء بينهما رغم الخلاف الكبير على الملفات الكبرى...
نعم إنها منزعجة أن تشاهد مصافحة بين اللبنانيين أو بين أطرافٍ وصل الخلاف بينهما الى ذروته في السنوات الماضية وهي لا تريده أن ينتهي أو التخفيف من حدته... فأُوحيَ الى المحكمة الدولية أن تفلشَ من جديد أوراقها المستورة، فتضرب عصفورين بحجرٍ واحد، العصفور الأول إعادة التشنج في الخطاب والشارع، والعصفور الثاني إيجاد شرخ جديد في بناء الثقة التي يحاول الطرفان المتحاوران أن يبنيا عليها أساساً للمرحلة المقبلة. فحذارِ ثم حذارِ الوقوع في الفخِ مجدداً، فنندم ولات ساعة ندم.