يبدو ان سنة 2015 ستكون أكثر خطورة على الحدود الشرقية للبنان في حال نجح تنظيم "الدولة الاسلامية" في فرض سيطرته الكاملة على القلمون وجرودها. نحو 80 في المئة من فصائل المعارضة السورية هناك بايعت "داعش"، فيما ينتظر باقي فصائل "الجيش الحر" الذي بدأ ينقرض في القلمون موعد الرحيل بدلاً من المبايعة، لتنحصر السيطرة أو المواجهة في النهاية بين "جبهة النصرة" و"داعش".
دخول المقدسي
بدأت هذه التطورات الخطيرة وفق متابعي الملف، بداية الشهر حينما دخل أحد المسؤولين الشرعيين لـ"الدولة الاسلامية" المعروف بـ"أبو الوليد المقدسي" إلى القلمون ومعه مجموعة "داعشيين"، فرضوا البيعات على كل الفصائل هناك وإلا ستعلن مقاتلتهم. رضخ البعض لها فيما رفض آخرون مبايعتها وسيأخذون القرار بالرحيل عن المنطقة.
وبحسب مصادر سورية معارضة متواجدة في الجرود، فان "المقدسي ضابط عراقي، كان مسؤولاً شرعياً في جبهة النصرة وانشق عنها والتحق بداعش".
ومن بعض الروايات التي تشعر السامع بالعجب، تقول المصادر: "ان هذا الرجل طلب اعتقال احد القادة من الجيش السوري الحر الملازم أول عرابة ادريس ومعه مجموعة مقربة منه بتهمة قتالهم "الدولة الاسلامية" التي يقودها في القلمون أبو عبد السلام السوري وبعد التحقيق معه تبيّن انه بريء وأفرج عنه، فحكم المقدسي على نفسه بـ 39 جلدة"، فيما مصادر اخرى أكدت أن "ادريس لا يزال محتجزاً لدى الدولة الإسلامية تحت الاقامة الجبرية".
يسود حالياً الصمت بين الفصائل، والحذر سيد الموقف وسط ترقب تحركات "داعش"، إذ ترى المصادر أن "الدولة الاسلامية تريد إنشاء إمارة في القلمون، لكنها حتى اليوم لم تستطع القيام بذلك، بسبب وجود فصائل عديدة وأهمها "جبهة النصرة"، مشيرة إلى انها وبحسب رؤيتها "لا ترى أي اقتتال قريب بين النصرة وداعش، بل هناك بحث عن توحيد الفصائل ضد النظام السوري وحزب الله". وفي وقت نقل البعض لـ"النهار" اقدام غالبية الفصائل بمبايعة "داعش"، أكدت المصادر انه "حتى اليوم لم تعلن الفصائل مبايعتها، سوى كتائب من القصير وكتيبة الفاروق، وبعد دخول المقدسي لم يصدر أي بيان رسمي للمبايعة"، مؤكدة أن "الارضية لا تزال حتى اليوم للنصرة"، لكنها تحفظ طريق العودة بالقول: "لا أحد يعلم ماذا سيحصل في الأيام المقبلة".
"النصرة" والمبايعة
يكمن الخوف الأكبر من اقدام أمير "جبهة النصرة" أبو مالك الشامي على مبايعة "داعش"، أمر سيؤدي إلى نقل السيطرة كاملة إلى "الدولة الاسلامية". وانتشرت في الفترة الأخيرة شائعات عن اقدام "ابو مالك" على هذا الأمر، إلا أن انصاره نفوا صحة ذلك، وارتفع منسوب التوتر عندما أقدمت "داعش" على فرض المبايعات واعتقال عرابة ادريس، امام صمت غامض لـ"النصرة"، فبدأ انصار التنظيم الاخير نشر تغريدات تدعم وجود "النصرة" ومنها تدعو إلى مقاتلة "داعش" وأخرى إلى الحكمة بين الفصائل، إذ رأى احد الصحافيين السوريين أنه "لولا الله وحنكة ابو مالك ومن معه في القلمون لبلغ الحال منحدراً أكثر بكثير مما بلغه في الشرقية وإدلب وريف حلب"، في إشارة إلى المعارك التي دارت بين الفصائل. واعتبر آخرون ان "الحل يكمن في مبايعة جماعية لجبهة النصرة"، لكن ووجه هذا الأمر برفض مؤيدي "الجيش الحر" وبالقول: "المبايعة ليست الحل، بل توحد كل الفصائل ضد "داعش".
يتحمل اليوم ابو مالك مسؤولية مصير القلمون وهويته، خصوصاً بعدما أرخى الحبل لـ"داعش" منذ انطلاقتها، إذ كانت تربطه علاقة قوية مع "ابو حسن الفلسطيني" (مسؤول داعشي سابق)، وكتب له احدهم عبر "تويتر": "سمن كلبك يأكلك"، داعش اهتزت وربت على عينيك وسقيتها ورعيتها بيديك، اليوم تعربد في القلمون، احذر من غدرهم وعاجلهم".
ابو مالك: "داعش" ليسوا كفاراً
عاد أبو مالك الذي بات يملك حساباً على "تويتر" و"فايسبوك" وجدد مبايعته للجولاني لنفي الشائعات، ونشر "مراسل القلمون" مجموعة من الأجوبة المتعلقة بموقفه من "الدولة الاسلامية" وقتالها وتكفيرها، يقول فيها: "ليس من منهجنا التوسع في تكفير المسلمين بغير حق واستحلال دمائهم بذلك، وليس من منهجنا أن نبدّي أي مسلم بالقتال، كما أنه ليس من منهجنا الحكم على من خالفنا بالكفر أو الردّة أو العمالة".
ويعتمد على أقوال قادة "القاعدة" و"النصرة" ليصف الدولة بـ"الخوارج"، ويتابع: "لا نرى أن جماعة الدولة الاسلامية كفاراً ولا مرتدين، بل إن ما ندين الله به أنهم إخواننا في الدين حصل من بعضهم بغيٌ على المسلمين، ولا نطلق صفة الخوارج على تنظيم الدولة بكافة عناصره. بل نرى أن كل من يولج في تكفير المسلمين واستحلال دمائهم ويبدأ قتالهم خارجياً وجب دفع صياله سواء كان من تنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم أو أي جماعة أخرى".
لا تعتبر مقاتلة "داعش" أولوية بالنسبة إلى أمير "النصرة" في القلمون، ويقول: "منهجنا هو الاحتياط في الدماء وعدم التوسع في دماء المسلمين بغير حق، وليس من منهجنا
أن نبدأ أي مسلم بالقتال من دون سبب، ومنهجنا التركيز في سوريا على العدو النصيري وحلفائه وأنصاره الذين طغوا وبغوا وسفكوا دماء المسلمين، وحَشدُ المجاهدين وتحريضهم على جهادهم وترك المعارك الجانبية. فإن كان الأمر مناصرة الدولة فقط من دون القيام بأعمال تُخل بأمن المسلمين فلا نرى محاصرتهم أو التضييق عليهم. وكما أننا لا نرى قتل المسلم بغير حق من أي جماعة كان، ولأي سبب كان، إلا من بدأنا بالقتال".
"الجيش الحر": الله لا يوفقهم
أحد قادة "الجيش السوري الحر" أكد لـ"النهار" ان "عرابة ادريس ومن معه لا يزالون رهن الإقامة الجبرية". ويعلّق على تطورات القلمون بالقول: "الأمور تتجه نحو الاسوأ"، ويضيف: "عناصر داعش يكنون العداء للجيش الحر وما حصل تجاه عرابة ادريس محاولة لقمعنا، وتم قتل 5 عناصر أحدهم قائد مجموعة في "الحر" معروف باسم المقنع". تجنب هذا القائد الذي رفض الكشف عن اسمه "اي اصطدام مع جماعة داعش"، ويقول: "يريدون السيطرة الكاملة والانفراد بالرأي وهذا لا يناسبنا".
هل تعتقد أنه يمكن لـ"داعش" ان يفرض سيطرته على القلمون؟ يجيب: "نعم لأنهم يحصلون على دعم مادي كبير"، ويلقي ايضاً اللوم على "النصرة" التي "سمحت بالامر، ووصل إليها الدور (المبايعة)"، مستبعداً اقدام "النصرة" في القلمون على مبايعة "داعش"، ويقول: "90 في المئة من الفصائل بايعت داعش ولا يزال هناك "جبهة النصرة" وبعض الفصائل".
وأبدى هذا القائد الميداني الذي سيأخذ القرار بمغادرة الجرود بدلاً من مبايعة "داعش"، بالقول: "هيك بدهم يدعشوا الثورة ويخلصوا عليها، الله لا يوفقهم هني (المبايعين) وداعش"، مؤكدا ان عدد عناصر "الدولة الاسلامية" اليوم "لا يقل عن 700 مقاتل".
ويبدو ان القلمون يتجه إلى سيطرة داعشية في سنة 2015، وإلى ضعف في أرضية "النصرة" وانقراض "الجيش الحر"، ما سيشكلُ المزيد من الخطر على الحدود اللبنانية – السورية.