أجراس الحوار قد عادت ، ودقَّت المطرقة جرس الحوار، تنعى أيامه الراحلة ، وتندب جماله الزائلة ، وبدأت قطعان الماشية تعود من مراعيها إلى حضائرها ، ومشى اليوم رعاتها عن يمينها وعن شمائلها ، يهشُّون عليها بعصيِّهم ، لأنهم يريدون لها كلَّ الخير ، ويخافون عليها من كلِّ شرٍّ، ومن كل هاوية يوم هداية الطريق في السابع من أيار ، ما بين يومٍ مجيدٍ ومشؤومٍ، وها قد مدَّ النصر والظلام على تلك الأشلاء المنبسطة بثوبهما الأصفر والأزرق ، كأنهم ظنوا أنها تنام كما ينام البشر..... وها قد ساد سكونٌ بعيدٌ وسط قوافل الفحول الجواهل...أولئك الوجوم المتحاورون الصامتون ، فرحين مسرورين ويطربون لوقع حوافر ماشيتهم ، من شواطئ بيروت إلى جبل لبنان وإلى رمال صور موسى الصدر يوم النصر الأكبر في التاسع من أيار المجيد بألوان صفرٍ وخضرٍ وغرابيب سودٍ....ويرقص على طربها أصحاب ربطات العنق والقمصان الزرقاء... نحن نأسف عليهم عندما أمسَوَا ولا نيران توقد أكواخهم ، أولئك المتحاورون كانوا بالأمس أشدَّاء أقوياء ، تمتد أياديهم الخاضعة لسلاحهم ، هكذا كانوا بالأمس واليوم طواهم الغمس... فهي من صنيعة أيديكم وجباية مواقفكم ، ولو أنكم تركتم هذا الشعب وشأنه ، وخلَّيتم بينه وبين فطرته السليمة التي فطرها الله لهم ، ما كان يخطر له بأي لحظة من اللحظات أن يتعادى أو أن يتباغض ويتنافر ، ولا كان من أحدٍ تحدِّثه نفسه لمحاربة أخيه ، او بالتعدي على كبيرٍ أو صغيرٍ ، في سبيل غايةٍ مدفوعة الأجر سلفاً ، أو من أجل منصبٍ ووظيفة ، وحتى كسرة خبزٍ أو حزبٍ من الأحزاب.......فأي حوارٍ تطلبون اليوم من الآخر في الوقت الذي أنتم به أحوج أن تحاوروا من خونتموه من سنخكم ، بدلاً من أن تعتدوا على الرموز من العلماء الكبار ، فأي أمة أخرجت للحوار ؟ وللمحبة والتسامح والتعايش...كأنَّ مثلُ حوارياتكم كمثل رجلٍ أحاطت النار ببيته في كل جدرانه وسقوفه ونوافذه...وأي خيرٍ تطلبونه لهذا البلد والشعب بعد أن فرقتموه شِيَعاً وفرقاً ، وصيرتموه أحزاباً متقاتلة ، وقطعتم أوصاله ، حتى تنافرت الوجوه ، واستوحشت النفوس ، ولا نرى إلا ناباً يقرع ناباً ، وقلوباً تخفق خوفاً وحذراً... أيها السادة والقادة والزعماء إن كنتم صادقين في حواركم وتحاوركم فلتظهروا نواياكم الصادقة من الذين يختلفون معكم في خياراتكم ، وأن ترجعوا الحقوق المسلوبة إلى أصحابها ، حينها ندعوا لكم بنيَّاتٍ مؤمنة صادقة ، وبقلوبٍ طاهرة ، إلى الإتحاد والإئتلاف ، وأن تتبايعوا بين يدي الله تعالى والوطن والشعب والأرض على الحب والود والصفاء والإخلاص....سدَّد الله طريقكم وحواركم وأنار لكم كل طريقٍ وسبيلٍ ، وأفاض علينا وعليكم من بركاته ، ما يُفرج الكرب ، ويكشف الغم والهم عن الشعب والوطن ، وعن كل مظلومٍ ومحرومٍ....عسى الله أن يلهمنا حسن النية وصفاء القلوب.....

.مواطن لبناني..