قام وفد من مخاتير و اهالي الحدادين وباب الرمل بزيارة لرئيس دائرة الاوقاف في طرابلس د.حسام سباط لتقديم العريضة الموقعة من قبلهم لمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار بشأن الغاء الرسم المفروض من قبل لجنة المقابر على دفن أموات المسلمين الفقراء..
وبعد عرض للواقع والمشكلات التي تعاني منها المدافن وقطاع دفن الموتى تم التوافق على تعديل لجنة المقابر بحيث تضم مختاري المنطقة و مشايخها ووجهاءها و أن تغطي دائرة الاوقاف مصاريف الميت الفقير بعد إفادة من المختار بواقع حاله و فقره.. كما اطلع سباط الوفد على قرب تلزيم واستصلاح مقبرة الرحمة في أبي سمراء حيث سيتم خلالها تأهيل 1000 قبر مما سيخفف الضغط عن المقابر القديمة الممتلئة..
وقد ضم الوفد رئيس رابطة مختاري طرابلس والشمال المختار ربيع مراد و مختاري الحدادين: رفعت غلايينيي ومحمد حامد وفواز قراعلي والناشط سالم العتري والحاج عمر دنيا و حشد من أهالي المنطقة.
بهذا الخبر تم التعبير عن المشكلة التي تسببت بهذه العريضة الغريبة في أصلها، حيث أنها لا يجب أن تكون موجودة من حيث المبدأ، لأن المقابر في الأساس أوقاف للملسمين، وتحديداً للفقراء منهم.
سبب هذه "الانتفاضة" هي أن مواطناً فقيراً معدماً أتاه الأجل، وقد فارق هذه الدنيا وهو لا يملك ثمن الكفن الذي يغادر به هذه الدنيا.
قصد ذووه مقابر باب الرمل، ليؤمنوا له قبراً يتهي به رحلته من هذه الحياة الدنيا. إلا أنهم فوجئوا بأن لجنة المقابر تطلب منهم رسماً إلزامياً قبل السماح بالدفن.
لا يملك أهل الميت قرشاً مما طلبته اللجنة، تحت عنوان كلفة حفر القبر وثمن الكفن وكلفة التغسيل وسيارة النقل.. وأعلن الأقارب والجيران استعدادهم للحفر بأنفسهم والتبرع بثمن الكفن، وتأمين نقل المتوفى، لكن اللجنة رفضت واستمرت في منع الدفن إلى وقت متأخر من ذلك النهار..
أحدث رفض لجنة المقابر السماح بدفن الرجل وإبقاء جثمانه بهذا الشكل المخزي، ضجة في منطقة باب الرمل، والمناطق الشعبية، وتداعى الأهالي إلى لقاء التقوا بعده بحضور المختارين والناشطين، رئيس دائرة أوقاف طرابلس، وأبلغوه احتجاجهم البالغ على ممارسات لجنة المقابر التابعة للأوقاف.
سمع المحتجون من رئيس الدائرة كلاماً تبريرياً من نوع أن هذه اللجنة تم تشكيلها للحد من الفساد الذي كان سائداً قبلها، عندما كان التشبيح سائداً من دون سقف مالي، وأن الواقع الراهن هو أفضل الممكن.
لم يقتنع الأهالي ولا المختارون بهذه النظرية، لأن المقابر في الأساس أوقاف للفقراء، ولا يجوز أن يتم جلدهم بعد موتهم، كما أنه لا يجوز ولا يصحّ الاستخفاف بمدى فقر الناس عبر القول ان المبلغ السحوب من الفقراء الموتى هو مبلغ بسيط ورمزي. فقد أثبتت حالة وفاة المواطن المشار إليه، أنه هناك شرائح واسعة ينطبق عليها أنها فعلاً لا تملك ثمن الكفن، ويجب أن تحمل حقاً، فوق قساوة الحياة، هم تأمين ميتة كريمة..
تؤكد هذه الحادثة أن هناك في طرابلس من يعيش تحت خط الفقر بدرجات وأنهم مستورون لأنهم متعففون لا يسألون الناس إلحافاً، لكن تأبى الظروف إلا أن تكشف فقرهم، كما حصل مع هذا المواطن المسكين، الذي بعد أن ضاقت به الدنيا، جاء من يريد أن يحرمه فرصة مغادرة كريمة لهذه الدنيا..
أتساءل، ويتساءل معي الكثيرون: من هم هؤلاء الذين تجرؤوا على رفض السماح بدفن إنسان عجز ذووه عن دفع المقبرة؟ من هم هؤلاء القاسية قلوبهم الذين حرمهم الله سبحانه نعمة الرحمة ونفحة الإنسانية وأخلاق النبوة.. من هم هؤلاء الذين تحجرت مآقيهم وتسمرت أجسادهم وتحجرت قلوبهم.. حتى غدوا وحوشاً تفترس الموتى على أبواب المقابر؟؟
أخيراً: باسمي وباسم فقراء المدينة، أحياء وأمواتاً، أتوجه بالشكر إلى المختارين والناشطين الذين تقدموا بالعريضة إلى دائرة الأوقاف، وأدعوهم للاستمرار في متابعة هذه الملفات وما يتفرع عنها، وبأن نكون جميعاً العين الكاشفة للفساد والمتصدية لأهله..
حق الفقراء في أوقافهم كفّ يـد عصابات تنهشهم، ولا يمكن أن نصدق أن مكافحة الفساد تكون بتقنينه وتحويله إلى أمر واقع، والمطلوب إزالة فورية لرسم جائر يتقاضاه من لا يستحق، تحت شعار إكرام الموتى.