أي دور لمؤسسات المجتمع المدني في مواكبة الحوار ودعمه؟
بعد طول انتظار انطلق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله برعاية الرئيس نبيه بري ودعم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وبموازاة ذلك جرى الحديث عن حصول حوارات موازية بين التيار العوني والقوات اللبنانية وبين حزب الله وحزب الكتائب، إضافة إلى المبادرات التي أطلقتها الجماعة الإسلامية لإقامة لقاءات حوارية في مركزها مع ممثلي وقياديي الأحزب اللبنانية، كما برزت دعوات من قيادات سلفية للحوار مع حزب الله.
وتتزامن انطلاقة الحوارات اللبنانية مع جهود روسية لإطلاق حوار سوري – سوري ومع الحوار الدولي –الإيراني حول الملف النووي وإمكانية العودة للحوار السعودي –الإيراني، وإعادة ترتيب البيت العربي.
لكن هل يكفي جلوس الأطراف السياسية والحزبية على طاولة الحوار لحل المشاكل العالقة وانهاء الأزمات المذهبية والاجتماعية وأجواء الاحتقان الشعبي، ولا سيما في ظل الأزمة السورية والتطورات في العراق والمنطقة؟ وأي دور لمؤسسات وقيادات المجتمع المدني في دعم الحوار والإسهام في تخفيف حالات الاحتقان المذهبية والسياسية والشعبية؟
أهمية الحوار وانعكاساته الخارجية
بداية ما هي أهمية انطلاقة الحوار بين القوى السياسية والحزبية في لبنان وهل سينعكس ذلك على قضايا المنطقة؟
يقول العلامة السيد محمد حسن الأمين خلال لقاء حواري في المركز العربي للحوار: ان لبنان يعتبر البلد العربي والإسلامي الأكثر تهيؤاً للحوار الداخلي، ونحن لسنا جزيرة معزولة والأوضاع في المنطقة تركت علينا آثاراً سلبية خطيرة، ولكن حصول الحوار في لبنان سينقل العدوى إلى كل المنطقة.
ويضيف: قد لا تكون لدينا اليوم فرصة لإقامة حوار في سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن والبحرين بسبب التطورات السياسية والأمنية المتدهورة في هذه الدول، ولكننا إذا استطعنا إقامة حوار حقيقي في لبنان، فإن ذلك يعزز أجواء الحوار في كل دول المنطقة، نظراً إلى أهمية الدور اللبناني ولقدرة اللبنانيين على التفاعل مع كل ابناء المنطقة.
ويتابع السيد الأمين: مع أهمية جلوس الأفرقاء السياسيين والحزبيين على طاولة الحوار والسعي لحل مشاكل البلد العالقة، فإن ذلك لا يكفي ولذا المطلوب من مؤسسات المجتمع المدني ان تواكب هذا الحوار وتدعمه كي ينعكس على الأجواء السياسية والشعبية والمجتمعية، لأننا اليوم لا نعاني فقط من أزمة سياسية أو أمنية، بل نعاني من مشاكل اجتماعية وحصول افتراق بين المناطق اللبنانية وكذلك بين مختلف البئيات الاجتماعية.
ويدعو السيد الأمين للتفاعل أكثر بين المسلمين والمسيحيين، خصوصاً ان المسيحيين لديهم استعداد أكثر للحوار وتقبل الآخر ولأننا نحتاج اليوم لإيجاد رؤى مشتركة بين كل الأفرقاء وكل فئات المجتمع من أجل إقامة حوار حقيقي وإعادة روح الحياة المشتركة بين مختلف المجتمات ونحن لسنا بحاجة إلى حوار لاهوتي وعقائدي، بل إلى حوار الحياة وتقبل الآخر والعيش بشكل مشترك بعيداً عن أية فواصل أو صور نمطية مسبقة.
دور مؤسسات المجتمع المدني
لكن أي دور يمكن ان تؤديه مؤسسات المجتمع المدني في دعم الحوار السياسي والحزبي؟ وهل يمكن إطلاق مبادرات حقيقية في هذا الاتجاه.
يرى العديد من الناشطين على صعيد مؤسسات المجتمع المدني والمعنيين بالشأن العام من علماء دين ومفكرين ونقابيين وإعلاميين، ان مؤسسات المجتمع المدني يمكن ان تؤدي دوراً مهماً في المرحلة المقبلة على صعيد تعزيز الحوار الداخلي والتخفيف من الخطاب المتشنج ومواجهة دعاة العنف والتصعيد.
وقد بادرت عدة هيئات مدنية، منها ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار والمركز العربي للحوار والجبهة المدنية وجمعية «تعارفوا» ولقاء القوى المدنية والفريق العربي الإسلامي – المسيحي والهيئة الشبابية للحوار الإسلامي –المسيحي ومؤسسة أديان وغيرها من المؤسسات الحوارية، لإطلاق عدة مبادرات بشأن تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في الحوار الداخلي ومواجهة أجواء التشنج ودعم السلم الأهلي، وتستعد هذه المؤسسات في الفترة المقبلة لإطلاق وثيقة جديدة جامعة وشاملة بدعم من كل مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والهيئات الدينية والحوارية لتعزيز ثقافة الحوار ورفض العنف ومواجهة التطرف وتعزيز ثقافة المواطنة.
هذه المبادرات الأهلية والمدنية ستسهم في مواكبة الحوار السياسي والحزبي والعمل لتشكيل قوة مدنية ضاغطة تمنع العودة إلى أجواء الحرب والصراع وتواجه كل من يعمل لإطلاق خطابات ومواقف عنفية أو تحريضية.
اذن نحن اليوم أمام أجواء جديدة، سواء على صعيد القوى السياسية والحزبية، أو على صعيد تفعيل وتنشيط دور مؤسسات المجتمع المدني، ما سيعزز الاستقرار الداخلي ويحمي لبنان من أية تطورات تصعيدية، وهذا يؤهل لبنان لأداء دور مؤثر في استقرار المنطقة وكما قال رئيس مجلس الشيوخ الايطالي خلال زيارته للبنان أخيراً: ان المطلوب من لبنان ان يتحول إلى مرجعية للاستقرار في كل المنطقة.
فهل تتحقق هذه الأمنية ولا يعود لبنان مركزاً للصراعات والعنف وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية بأيدٍ داخلية؟