اتخذ «تيار المستقبل» و «حزب الله» من الاستحقاق الرئاسي مدخلاً ليجلسا سوياً إلى طاولة مستديرة تعيد المياه إلى مجاري علاقتهما الثنائية المعكرة منذ زمن. لا يكفي أن يتواجها في صالون تمام سلام الحكومي كي ينقيّا مسارهما المشترك من شوائب الماضي، ويفتشان عن درب قد تجمعهما في ظل التناقضات الصارخة التي تصيب المنطقة.. لا بدّ من عنوان أكثر إلحاحاً.

قرر الطرفان، أن يضعا جانباً رتل خلافاتهما، ويحيّدا ملفاتهما الشائكة، وأبرزها المشاركة في القتال السوري وسلاح «حزب الله»، تحت عنوان التخفيف من حالة التشنج والتوتر السائدة في الشارع وعلى المنابر، وفي محاولة لتهيئة أرضية خصبة لأي تفاهم قد يحصل بين الخصمين. بالنتيجة التفاهم هو شرّ لا بدّ منه، سواء حصل بالمباشر أو بالواسطة، ولهذا لا بدّ من نفض الغبار عن الخطاب التسووي وإرساء بعض الهدوء على المحاور.

إلا أنّ الفريقين المتحاورين يعرفان جيداً أنّهما حتى لو توصلا إلى تقاطعات معينة في ملف الرئاسة، فلن يكون من السهل تعميم هذا التفاهم على حلفائهما، لا سيما المسيحيين منهم. فالحاجة إلى بصمات الموارنة تحديداً، ضرورية، لا بل ملحة، ولا يمكن إخراج «فخامة الشغور» من قصر بعبدا إلا إذا منح هؤلاء بركتهم، لا بل موافقتهم.
ولهذا، مثلاً، قرر سمير جعجع القفز فوق جبل من الخلافات التي تبعده عن العماد ميشال عون ليستهلا سوياً مشواراً حوارياً، وكأنه يحاول أن يقطع الطريق أمام أي اتفاق قد يتوصل إليه الفريقان المسلمان، خشية من أن يكون هو آخر متذوق في الطبق، حتى لو أنّه عاد من السعودية بحقنة دعم تجعله معبراً إلزامياً لأي تفاهم رئاسي.. ولكن لا بدّ بنظره من سحب أوراق الإحتياط من جعبته ووضعها على الطاولة.

حتى أنّ رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» سايره في هذه المبادرة مبدياً استعداده للتشاور معه حتى لو انطلاقاً من كونه مرشح التسوية، بمعنى عدم انتقاله من صفة «الملك» إلى «صانع الملوك».. من دون أن يعني ذلك أن ميشال عون يخشى من تهريبة ينسجها شريكه الشيعي ويحملها إليه على طبق مقولة «اسمحلنا فيها»، أسوة بما فعله في الدوحة حين حمل اسم ميشال سليمان إلى الجنرال طالباً تأييده لترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية.

فهذه المرة اختلفت الأمور، إذ يبدو جلياً أنّ «حزب الله» يبعد عنه هذا الكأس المر ويرفض أن يلعب هذا الدور من جديد، مع أنّ كثراً، من موفدين دوليين ومحليين يحاولون التوسط معه لإقناع الجنرال بالتخلي عن ترشحه. وإنما بالعكس سعى إلى طمأنة شريكه المسيحي في أكثر من مفصل ومناسبة، وتعاطى معه على طريقة الندية. بمعنى أنّه أبلغه بنيته الجلوس وجهاً لوجه مع «تيار المستقبل» ولكن من دون أن يؤدي ذلك إلى التخلي عن دعمه لترشح الجنرال، أسوة بما فعله رئيس «التيار الوطني الحر» حين قرر فتح أبواب الحوار مع الحريري.

ولهذا أيضاً لا يخشى ميشال عون من تسوية ما قد تطيح به، لا بل على العكس، ثمة من يعتقد أنّ فتح قنوات الحوار بين «المستقبل» و «حزب الله» قد يرفع من منسوب حظوظه للوصول إلى قصر بعبدا من جديد، لا سيما وأنّ الضاحية الجنوبية أثبتت أنّها لن تتجاوز حليفها، مهما كانت نوعية العروض الملقاة أمامها.

الموقف نفسه للعماد عون ينسحب على موقف حليفه رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي يؤيد السير بخطوات الحوار لـ «ثقته بحلفائه».
وهذه المعادلة لا تسري على جعجع الذي أخرج نفسه من الحلبة حين ربط ترشحه بامكانية التوصل إلى اتفاق على مرشح توافقي، معتبراً أنّ ترشحه اصطدم بحائط رفض الفريق الآخر، الأمر الذي يرفض ميشال عون أن يلصقه به.

أما الرئيس أمين الجميل، فقد كان سباقاً إلى فتح قنوات حوار مع «حزب الله»، وهو ما كان مأخذاً عليه من حلفائه في قوى «14 آذار» بسبب ما اعتبروه تفرّداً في الموقف. لذلك فإن الحوار بين «المستقبل» و «حزب الله» يثبّت موقف حزب «الكتائب» لا يضعفه، وهو أيضاً لا يخشى نتائجه.. مبدئياً.
إلا أنّ ذلك لا يلغي أبداً شعور التهميش لدى بعض المسيحيين ممن يعتبرون أنّه بمجرد جلوس قادة القوى المسلمة على طاولة مشتركة، فهذا يعني أنّهم صاروا خارج اللعبة، ولن تكون موافقتهم اللاحقة إلا بمثابة «إذن رهباني»، أي أنّها شكلية لن تؤثر في المضمون.