وسيط إثر وسيط، حتى صار أمر التفاوض لإطلاق العسكريين المخطوفين لدى "داعش" و"النصرة" اشبه بمسلسل تركي مدبلج، غالباً ما يطول حتى لا نعرف موعد حلقته الاخيرة، ويظهر فيه الممثلون على غير حقيقتهم، إذ يجدون من يعبّر عنهم بصوت مختلف ونبرة مختلفة واحاسيس ومشاعر بعيدة من الواقع.
هذه حالنا مع الوسطاء، كل يتحدث بلسان مجموعة من المجموعات هنا وفي جرود عرسال. لكل منهم تطلعاته وحساباته المحلية والاقليمية، وارتباطاته، وبعضها مشبوه إذ يتعاطف مع المجموعات التكفيرية اكثر من تضامنه مع مواطنيه ووطنه، وحتى الدول التي دخلت على خط الوساطة، فقد حققت اهدافها ومصالحها و"قطعتنا" في منتصف الطريق، فلا قطر أكملت مهمتها رغم الوعود الكثيرة ، ولا تركيا دخلت وسيطاً بعدما عانت الامرّين خلال عملية التفاوض لاطلاق مخطوفي اعزاز.
والتكليفات هنا تتضارب فيها المصالح والحسابات المذهبية والطائفية والسياسية.
ولا نميّز بين "ابو طاقية" الوسيط و"ابو طاقية" الخاطف، ولا بين الدور الذي يضطلع به رئيس بلدية عرسال والدور الذي اعطي لنائبه بتكليف من خارج خلية الازمة التي تألفت لهذا الموضوع. ولا نفهم أي دور أدته "هيئة علماء المسلمين" قبل ان تنكفئ؟
ولا ندرك تماماً اذا كان الاشخاص الذين يتم الاتصال بهم في الجهة المقابلة يملكون سلطة الحل والربط، أم انهم يأتمرون بأمراء أعلى منهم في تنظيم "الدولة الاسلامية" و"جبهة النصرة".
فهل يكون القرار ميدانياً محلياً أم يرتبط بقيادة التنظيمين الارهابيين في العراق ؟ وهل يبقى التفاوض مع هؤلاء نافعاً ام لا؟ ولا نعلم اذا كانت "جبهة النصرة" قادرة، او ما زالت قادرة، على اتخاذ اي قرار، وما اذا كانت لا تزال تسيطر على ارض الواقع بعدما عمل تنظيم "داعش" على الامساك بالقرار في القلمون وجرود عرسال وغيرهما، وهل تحييد "النصرة" نفسها عن الصراع ما بين "داعش" و"الجيش السوري الحر" هو مجرد انكفاء موقت، ام انضواء تحت جناح "داعش"؟
اسئلة كثيرة لا تجد الاجابات عنها عند أي من المكونات اللبنانية التي تتعاطى الملف، لكن السؤال الاصعب هو "هل تريد التنظيمات التكفيرية حقاً اطلاق العسكريين؟".
اذا فكرنا ملياً في الامر لحصلنا على نتيجة سلبية لان أي مقابل سيعطى من الدولة ، اذا امكنها ان تلبي الطلبات باطلاق سجناء ارهابيين وغيرهم وفتح معابر للمقاتلين في اتجاه عرسال، لن يوازي خسارة الارهابيين لهذه الورقة الرابحة التي يملكونها، والتي بواسطتها يمكنهم الى اليوم التحكم في مفاصل الحياة السياسية والامنية اللبنانية.
في الواقع، تبدو أزمة العسكريين عالقة الى أمد بعيد، رغم كل حقن التخدير الايجابية التي يبثها البعض من وقت الى آخر، قبل ان تعود الامور في كل مرة الى النقطة الصفر. وليس هذا ما نأمله بالتأكيد.