تكاد الـ 2014 سنة "الانتحاريين" أن تنتهي. لم تكن سهلة على اللبنانيين الذين شهدوا دمويتها وحوادثها الإرهابية منذ يومها الثاني، وتتالت بعدها الضربات الارهابية على شكل تفجيرات انتحارية حتى منتصف السنة، لتتحول بعد ذلك إلى مواجهات مباشرة مع الجيش اللبناني عند الحدود، وارتفاع في حدة المعارك مع "حزب الله" في الجرود، خصوصاً بعدما استطاعت القوى الأمنية ان تفكّك الكثير من الشبكات الارهابية في الداخل وتغلق معابر سيارات الموت.
التفجير المزدوج
في الثاني من كانون الثاني من 2014 وقع تفجير انتحاري في الشارع العريض بمنطقة حارة حريك (الضاحية الجنوبية) أدى إلى سقوط خمسة ضحايا من المدنيين. وبعد اسبوعين في 15 كانون الثاني، اعتقلت الأجهزة الأمنية نائب أمير كتائب "عبدالله عزام" جمال دفتردار، وبعد يوم واحد، في 16 كانون الثاني وقع تفجير انتحاري في الهرمل أوقع أربع ضحايا، تلاه آخر في 21 من الشهر نفسه في حارة حريك أوقع أربعة مواطنين. ثم عادت التفجيرات لتضرب الهرمل في الثاني من شباط، وتودي بحياة أربعة أشخاص.
بدأ المواطنون يشعرون بهوس التفجيرات، وهو كان السبب في تفجير انتحاري بفان ركاب في الشويفات في اليوم التالي (3 شباط) بعدما شكّ السائق بالانتحاري وكشفه. إلى أن جاء التفجير المزدوج (19 شباط) الذي استهدف المستشارية الايرانية الثقافية في بئر حسن موقعاً 6 ضحايا وأكثر من 130 جريحاً، فيما تميز هذا الشهر بتوقيف نعيم عباس الذي ينتمي إلى "كتائب عبد الله عزام" وتفكيك عبوة زنتها 100 كلغ كان أعدها في سيارة مركونة في كونيش المزرعة، وفي اليوم نفسه توقيف جمانا حميد خلال نقلها سيارة مفخخة إلى الداخل اللبناني.
الهرمل ووادي عطا والنبي عثمان
بعدها بثلاثة أيام، انتقل من جديد شبح التفجيرات إلى الهرمل ليستهدف حاجزاً للجيش أدّى إلى استشهاد عسكريّين ومدني في 22 شباط. في 16 آذار أيضاً وقع تفجير انتحاري في النبي عثمان وسقط إثره 4 ضحايا.
في هذا الوقت، جهدت القوى الأمنية في جمع المعطيات عن الشبكات المنفّذة والمخطّطة والمسهّلة لهذه التفجيرات، وفي 27 آذار قتل الارهابي سامي الأطرش في عرسال خلال مداهمته بعدما واجه الجيش بإطلاق النار، وما هي إلا يومين حتى أطلّ شبح التفجيرات بانتحاري جديد فجر نفسه، في 29 آذار، عند حاجز للجيش في وادي عطا ما أدى إلى استشهاد ثلاثة عسكريين.
في نيسان وأيار لم يخرق أي تفجير الأمن اللبناني، لكن القوى الأمنية انشغلت في اشتباكات في مخيم المية ومية في 8 نيسان، وفي 27 منه، باشتباكات في الضاحية الجنوبية بين عائلتي المقداد وناصر الدين، وفي 12 أيار وقعت اشتباكات في مخيم عين الحلوة، لكنها في الوقت نفسه بدأت تتقدّم في مكافحتها الارهاب وحصلت على معلومات عديدة من استخبارات الدول العربية والغربية عن دخول عدد من الارهابيين إلى لبنان.
تفجيرا دي روي وشاتيلا
شهد حزيران آخر ثلاث تفجيرات انتحارية في لبنان، الأول في العشرين منه عند حاجز لقوى الأمن في ضهر البيدر، نجا منه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم، وفي اليوم نفسه، وصلت معلومات عن قيام مجموعة ارهابية بالتخطيط لتفجير في بيروت، فسارعت شعبة المعلومات إلى مداهمة فندق نابليون وكازادور وأوقفت مئة وشخصين. التفجير الثاني، حينما حاول الانتحاري في الثالث والعشرين من حزيران أن يخرق الضاحية الجنوبية من إحدى بواباتها الأمنية (حواجز) لكنه لم يستطع، فوقع التفجير عند مستديرة شاتيلا. أما التفجير الثالث فتم خلال مداهمة جهاز الأمن العام فندق دي روي في الروشة، حينما أقدم أحد المطلوبين على تفجير الحزام الناسف في غرفته، ما أدى إلى اصابة الانتحاري الثاني بجروج.
ومنذ ذلك الوقت لم يشهد لبنان أيّ تفجير انتحاري، ما عدا تفجير في أيلول في الهرمل، لتتحول المواجهة إلى هجوم ومعارك وكمائن، إذ اشتدت المعارك في 13 تموز بين "حزب الله" ومقاتلي المعارضة السورية في جرود البقاع، واستمرت على شكل كمائن بين الطرفين، فيما كانت القوى الأمنية تواصل في الداخل عملية تفكيك الشبكات الارهابية حيث قتل موزع الحزمة الناسفة منذر الحسن، في 20 تموز، برصاص قوى الأمن في طرابلس خلال مداهمته وبعدما قرّر المواجهة.
معركة عرسال
في شهر آب كان التحوّل الارهابي الأكبر، حيث أقدم مسلحون من "جبهة النصرة" و"الدولة الاسلامية" على دخول عرسال، على خلفية توقيف قائد "لواء فجر الاسلام" عماد جمعة، واعلان معركة مفتوحة مع الجيش اللبناني انتهت بعد ثلاثة أيام بخطف أكثر من 30 عسكرياً (جيش وقوى أمن داخلي) إلى الجرود، ولا يزال نحو 23 عسكرياً محتجزًا منهم حتى الآن، بعد الافراج عن بعضهم بمبادرة "هيئة العلماء المسلمين" واعدام 4 اشخاص بعد فشل المفاوضات. ومنذ تاريخ معركة عرسال وعبر استغلال واضح لقضية العسكريين بدأ تنظيما "النصرة" و"داعش" اللعب بالحياة البنانية السياسية والاجتماعية، سواء عبر توجيه التهديدات بقتل العسكريين أو المطالبة بـ"تحرير" الموقوفين الاسلاميين، أو عبر دعوة الأهالي إلى قطع الطرق وشلّ الحركة في لبنان، او عبر اعدام أحد العسكريين واصدار فيديو وصور بالحادثة وتفجير الساحة اللبنانية سياسياً، خصوصا عند تراشق التهم بالمسؤولية.
أول عملية إعدام
في الأول من ايلول، تسلم لبنان جثة الرقيب علي السيد الذي استشهد على يد "داعش". وبعد 6 ايام استشهد الجندي عباس مدلج على يد التنظيم نفسه. وفي 19 ايلول استشهد الجندي المخطوف محمد حمية على يد "النصرة"، وفي اليوم نفسه استشهد جنديان في تفجير في عرسال، وفي 20 أيلول استهدف انفجار مركزاً لـ"حزب الله" في بعلبك.
وفي الشهر نفسه بدأ الجيش في تشديد إجراءاته أكثر فأكثر، خصوصا في مخيمات النازحين السوريين التي استُغِلّت من التنظيمين لتنفيذ أجنداتهما. وفي السادس من تشرين الأول وقع "حزب الله" في المكمن الشهير في بريتال والذي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى لدى الحزب.
بعد ثلاثة أيام، في 9 تشرين الأول قتل جندي وجرح آخر بإطلاق نار في عكار، وفي 23 استطاعت القوى الأمنية أن توقف الارهابي احمد ميقاتي في عاصون بالضنية، لتنتقل الشرارة إلى طرابلس حيث وقعت معارك في 24 تشرين الأول بهدف توقيف مجموعة شادي المولوي واسامة منصور، لكنها انتهت بفرار الاثنين، وحصلت معارك بالتوازي معها في عكار لتوقيف الشيخ خالد حبلص لكنه أيضا لاذ بالفرار.
في شهر تشرين الثاني، ارتفعت حدة التفاعل في قضية العسكريين المخطوفين، خصوصا بعد توقيف طليقة زعيم "داعش" ابو بكر البغدادي سجى الدليمي، وزوجة احد المسلحين في الجرود والطامح لمبايعة "داعش" علا العقيلي، اذ صدرت مذكرة توقيف في حق الأولى، وأبقى الامن العام العقيلي في عهدته. واتنهت السنة ايضاً بدموية، سواء مع الحادثة الأليمة في الثاني من كانون الأول التي استشهد فيها 6 عسكريين وقعوا في مكمن في رأس بعلبك، أو في الخامس من كانون الأول مع خبر استشهاد الدركي المخطوف علي البزال على يد "النصرة".
مكافحة إرهاب ناجحة
يصف العميد المتقاعد نزار عبد القادر عملية "مواجهة الارهاب" في سنة 2014 بـ"الناجحة"، بانياً نظريته على تطور الاحداث، فيقول: "أظهرت القوى الأمنية قدرات عالية، والجيش كان واقياً للوطن واستطاع ان يغلق عدداً كبيراً من المعابر من سوريا وكشفت الأجهزة الأمنية عمليات عدة قبل حصول التفجير، وفي حال وقع التفجير كنا نلاحظ قدرتها على جمع المعلومات وملاحقة المسؤولين وتوقيف البعض".
ويعتبر انه "كان من الطبيعي، بفعل الوضع في المنطقة، خصوصًا في سوريا، ان تصيب لبنان الشظايا، وكان من الطبيعي جداً توقّع ذلك بعد تدخّل "حزب الله" في الصراع السوري عسكرياً، وكان من المتوقع ان تكون هناك ردود فعل من منظمات أصولية مسلحة في سوريا كـ"النصرة" و"داعش" اللتين استهدفتا مناطق محسوبة على "حزب الله" وإيران، لكنها تطوّرت في ما بعد لتطال القوى الأمنية خارج بيروت".
جبل الشيخ والعرقوب
ورأى انه "بعد موجة الارهاب الأولى التي نجح فيها الارهابيون في تفجيرات كبيرة أوقعت العديد من الضحايا، نجحت القوى الأمنية من خلال الاستعلام عن المجموعات في تفكيك الخلايا الارهابية"، معتبراً أن "ما حدث في عرسال ورأس بعلبك لا يمكن وضعه ضمن العمليات الارهابية بل كان هجومًا مسلحا".
وعن سؤال أين ستكون المعارك في سنة 2015؟ يجيب: "أعتقد ان هناك منطقتين، منطقة مواجهة هي البقاع الشمالي والاوسط، يمكن أن تمتد إلى منطقة ثانية مع الجماعات التكفيرية والارهابية على شكل تسلل او مواجهة في مناطق جبل الشيخ والعرقوب، البقاع الغربي والجنوبي".
لا عرسال - 2
من جهته، اعتمد العميد المتقاعد خليل الحلو في قراءته على قسمين، سياسي وتقني. بالنسبة إلى الأول "فإن الارداة الجامعة، رغم الخلافات، لكل القوى السياسية خصوصا السنّية، كانت الغطاء الضروري للجيش وقوى الامن الداخلي لمكافحة الارهاب"، ووضع علامة "14 / 20 في مواجهة الارهاب، وهو جيّد او لا بأس به، حيث بدأنا نلاحظ الخبرة والتعاون الامني مع المخابرات العربية والغربية، ما سمح بتوقيف بعض المشبوهين قبل حصول عمليات التفجير". ويؤكد ان "ما جرى في عرسال، حرب عصابات مع مجموعات لديها خبرة محترفة، وانتقال المسلحين إلى هذه الوسيلة جاء بسبب تفكّك شبكات داخلية أو عدم قدرتها على المناورة".
الهبة السعودية
ويراهن الحلو في السنة المقبلة على الهبة السعودية، 3 مليارات زائد مليار للجيش، ما سيزيد من قدرات الاجهزة الأمنية، معتبراً أن "المعارك لن تختلف عن سنة 2014، لكن الذي سيزيد هو عند حدودنا الشرقية - الجنوبية من شبعا إلى المصنع، لأن هناك انتشاراً لمجموعات متطرّفة في المقابل، لكن حسب التقارير، فإن المنطقة ليست أخطر من القاع ورأس بعلبك وبريتال لأن هناك سيطرة كبيرة للجيش السوري الحر وقوى الثورة غير الناشطة في لبنان".
ولا يتوقّع الحلو أي معارك شبيهة بما جرى في عرسال ولا أي تقدم، معتبرًا أن هناك "تضخيمًا في اعداد المسلحين في الجرود، الذي لا يسمح لهم بإقامة عمليات عسكرية بل بهجمات عبر مكامن".
الكاتب :محمد نمر