حملت الأيام القليلة الماضية إلى الكيان الصهيوني أخباراً غير سارة، وأنباءً سيئةً، وكأنها كابوسٌ مرعبٌ، يقلق في الليل والنهار، ويزعج في الحرب والسلم، ويربك القيادة والعامة، ويخيف الحكومة والجيش، ويحرك الأقلام المرتعشة، ويرفع أصوات الحناجر المهتزة، ويوقظ النائمين من سباتهم، ويعيد المسؤولين إلى الاجتماعات، وينفض الغبار عن مقاعد اللقاءات، وقد تمنت أن ما تسمع وهماً وليس حقيقة، وأنه أضغاث أحلامٍ وليس واقعاً ملموساً ستصحو عليه، وستجد على الأرض نتائجه، وبين مواطنيها آثاره.
فقد ساء دولة الكيان وأحزنها كثيراً ما تناقلته وسائل الاعلام المختلفة، عن محاولات استعادة دفء العلاقة بين الجمهورية الإسلامية في إيران وحركة حماس، وعودة الروابط بينهما إلى ما كانت عليه في السنوات الماضية، التي تميزت بالتحالف والتآلف، والاتفاق والتنسيق، والرعاية والضمانة، والكفالة والمساندة، وأنهما قد تجاوزا ما مضى، وشرعا في استئناف العلاقة القديمة، التي كانت تتميز بالقوة، وتوصف بالاستراتيجية.
فهي تعرف أكثر من غيرها معنى استعادة العلاقة، وتدرك نتائجها وآثارها على الأرض، وتتوقع ما قد يصيبها منها، وما سيلحق بأمنها بسببها، مما سيضطرها إلى تغيير سياساتها، والعودة إلى سابق استعداداتها، وتسخير كل طاقاتها، والاستفادة من أصدقائها وحلفائها، لتواجه خطر الوفاق العائد، وهي التي ارتاحت لفترةٍ طويلةٍ منها، واطمأنت كثيراً لضعفها، وركنت كثيراً على انكماشها، فاستفردت خلالها بالمقاومة، وجابهتها منفردة، وتعمدت الاعتداء عليها ظانةً ضعفها، ومستغلةً وحدتها وابتعادها عن الحليف الأقوى لها.
دولة الاحتلال الإسرائيلي كانت أكثر الفرحين بالقطيعة التي كانت، وبالخلافات التي فرقتهما وباعدت بينهما، وقد سعدت كثيراً بما أصابهما، ولكنها صمتت لتخفي فرحتها، واستكانت لئلا تبدي سعادتها، مخافة أن ينتبه الطرفان إلى شماتتها فيستيقظون، وينتبهون ويتصالحون، ويعودون ويلتقون، ويدركون أنهم باختلافهم قد خدموا العدو ومنحوه فرحة، ورسموا على شفتيه بسمه، وألقوا في صدره راحةً وبرودةً كانت بالنسبة إليه أملاً، وهو الذي عمل وأعوانه الكثير للوصول إليها، وخطط رجاله وحلفاؤه في مؤتمراتٍ وندواتٍ، وفي لقاءاتٍ واجتماعاتٍ، بتآمرٍ خبيثٍ، وحقدٍ قديمٍ، لضمان وقوعها، وتأكيد استمرارها، وتعميق الأزمة، وتوسيع الهوة، وتكريس الفرقة.
راهنت إسرائيل كثيراً على دوام القطيعة، واستمرار الاختلاف، وتباعد الشقة بين الطرفين، وعمدت بإصرارٍ على ايقاظ الفتنة، وتسعير أوراها، ولعلها كانت كشيطانٍ تنفخ في نار الاختلاف، وتؤجج أسبابه، وتشجع أطرافه، وتصب الزيت على ناره لتشتعل وتزداد، وتضطرم أكثر وتخرج عن دائرة التحكم والسيطرة، ليصعب بعد ذلك اطفاؤها أو السيطرة عليها، فحياتها رهنٌ بالاختلاف، وأمنها منوطٌ بالقطيعة، وسلامتها مرتبطةٌ بالانقسام والفرقة، إذ ليس من صالح الكيان الصهيوني أن تتفق إيران وحماس من جديد.
استعادة العلاقة بين الطرفين بالنسبة للعدو الصهيوني مؤشر خطر، وعلامة خوفٍ وقلق، ومبعث خشيةٍ وريبةٍ، فهي تعني انتعاش كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وارتفاع الروح المعنوية لقيادتها وعناصرها، ومضاعفة قوتها وزيادة تأثيرها ونفوذها، وسيطرتها على القرار وتحكمها في المسار، وبسط هيمنتها واستعادة سلطتها، وإعادة ضخ الأموال إليها، وتجديد الترسانة العسكرية لديها، وتعويض ما لحق بها من خسائر نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، لتعود كما كانت قويةً ومهيأة، ومستعدةً وجاهزة، ترد بحزمٍ، وتقاتلٍ بجدٍ، وتصمدُ بصبرٍ، وتتصدى بعناد، وهي تعتقد أن لديها حليفاً قوياً، وناصراً صادقاً، وسنداً أبداً، وعوناً حاضراً لا يتأخر.
إسرائيل اليوم خائفة من عودة السلاح إلى قطاع غزة، وتنشيط عمليات التهريب والتصنيع والتدريب والتأهيل، فالمصالحة بين إيران وحركة حماس، تعني عودة المقاومة في أبهى صورها، وأقوى معانيها، وتعدد أشكالها، وتمايز قدراتها، وقد باتت اليوم أكثر خوفاً بعد الدعوات الإيرانية لتسليح الضفة الغربية، وهي تعلم أنها قد تنجح في تزويد المقاومة بما تريد، وتسليحها بما يلزم، لتكون الجبهة الأقرب، والأكثر خطورةً والأشد بأساً.
يدرك الكيان الصهيوني أن إيران وحلف المقاومة الذي كان يتشكل من إيران وسوريا وحزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية، كان يطمح إلى تطوير قدراته العسكرية، وتحسين أدائه القتالي، وزيادة رصيده المقاوم، وكان يخطط للانتقال من مرحلة صد العدوان، والعمليات الموضعية الصغيرة، إلى الهجوم والمبادرة، واقتحام قواعد العدو ومباغتته في مقراته، والوصول عميقاً إلى أهدافٍ كانت بعيدة وآمنة، وكان يطمح إلى تسجيل انتصاراتٍ، والحاق خسائر في صفوف العدو كبيرة، وقد استعد لهذه الأهداف، وعمل للوصول إلى هذه الغايات، وتراكمت لدية خبرة، وتوفرت عنده الإرادة، وازدادت كفاءة أطرافه وعناصره، وتوطدت العلاقة بينهم وتلاحمت، وتعمقت الأواصر وقويت الروابط، الأمر الذي يجعل عودته نذيرُ شؤمٍ على الإسرائيليين.
عودة الدفء إلى العلاقة بين إيران وحركة حماس، تعني عودة الرعاية والمتابعة، والدعم والتمويل والإسناد، وعودة الحليف والنصير، الشريك في المعركة، والمؤازر في الأزمة، والصادق القريب في المحنة، ما يعني أن المقاومة لن تكون وحدها، ولن تشعر بالضعف والخور، ولا بالإقصاء والابعاد، ولا بالذل والحاجة، ولن يستفرد عدوٌ بها، ولن يتآمر غيره عليها، ولن تكون لقمةً سائغةً، ولا هدفاً ممكناً وسهلاً أمام الخصوم والأعداء.
استعادة العلاقة تعني استعادة العمق، وتأكيد الانتماء، والاطمئنان إلى المستقبل، وترتيب الأولويات لتكون القضية الفلسطينية هي القضية الأساس، والمشكلة الأعظم، والهم الأكبر للأمة العربية والإسلامية على السواء، ذلك أن العدو الصهيوني هو عدو الأمة جمعاء، وهو المتآمر علينا وعلى قضايانا، وهو السعيد باختلافنا، والفرح بمشاكلنا، والقوي بتمزقنا، والمستعلي بفرقتنا، والفائز بخسارتنا، وهو المستهزئ بنا، والمتهكم علينا، والساخر منا جميعاً إذا اختلفنا، وهو الذي يلمزنا ويتغامز علينا إذا افترقنا.
ليس لدينا أدنى شك في أن قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران فرحةً بالمصالحة، وسعيدةً بالوفاق، وراضيةً عن استعادة العلاقات، وصادقةً في المضي فيها، كما أن حركة حماس وأبنائها فرحين بانتهاء أيام القطيعة، ومرحلة الاختلاف، ولعلهم أكثر فرحاً من غيرهم، كونهم يعلمون أن إيران كانت لهم داعماً أساسياً، وحليفاً صادقاً، وسنداً مقاوماً، تدعم بالمال، وتزود بالسلاح، وتحض على المقاومة وتشجع عليها، وتنفق في سبيلها بكل سخاء، وتعطي بلا حساب، ولا تتردد في البذل، ولا تتأخر في العطاء، ولا تشترط في الدعم، ولا تراقب في الصرف، ولا تحاسب على الأداء، وإنما تحركها الثقة، ويدفعها الواجب، ويسيرها التكليف الديني، الذي ترى فيه وجوب النصرة، ولزوم المساعدة والمساهمة، والذي ينص على أن يكون لهم في المعركة دور، وعليهم في التحرير واجب، وهذا ما يجعل حلفهم مع حماس والفلسطينيين دائماً أبداً ولا ينتهي.