توقفت مصادر مسيحية باهتمام أمام ما كشفه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في لقائه مع أحدى حركات الشبيبة، عن وجود «تمويل خارجي لضرب البطريركية المارونية والكنيسة في لبنان وفي الشرق، من خلال حملات التضليل»، واشارت الى ان كلام الراعي قلب كافة المقاييس، باتهامه لأول مرة مجموعات ودول خارجية برعاية مشروع «إفراغ الشرق من مسيحييه» من خلال الطعن على الكنيسة المارونية وراعيها الذي «أعطي له مجد لبنان».
واستطردت المصادر بالقول إن الكنيسة المارونية لم ولن تحيد قيد أنملة عن ثوابتها التاريخية، وأن الكاردينال الراعي هو استكمال لسلسلة البطاركة العظام الذين استلموا سدة القيادة والتوجيه، مستلهمين نهج وسيرة الأب القديس مارون المؤسس.
و«بحرقة بالغة» روت المصادر أنه أبان فترة حكم الرئيس كميل شمعون، دخل نجله الشهيد داني شمعون إلى أحد الإجتماعات التي كان حاضرا فيها الرئيس بشير الجميل وهو أحمر اللون لشدة الغيظ، ويقدح من عينيه الشرر الغاضب، فسأله أحد الحضور: ما بك يا داني، فأجاب: «كنت عند أبي الرئيس شمعون، وعنده - وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري - كيسنجر الذي قال له: «فخامة الرئيس، لديكم كمسيحيين إثنين سبعين ساعة لتغادروا لبنان على هذه البواخر (التي كانت راسية في مرفأ جونية)»، فأجابه الرئيس شمعون غاضبا، «معالي الوزير لديك خمس دقائق لتغادر هذه القاعة من هذا الباب». وبالطبع لم يعجب الوزير الأميركي بموقف الرئيس اللبناني.
واشارت المصادر الى أن سبب رفع البطريرك الراعي السقف إلى هذه الدرجة هو أنه قد لمس لدى بعض الجهات التي زارها «عين رضى» تجاه مشاريع من هذا النوع، مشيرا إلى أنه غضب غضبا شديدا لذلك، خصوصا أن «فخامة الفراغ القاتل»، لا كميل شمعون القوي هو على كرسي الرئاسة ليتصدى اليوم لمشروع الإنقضاض على المسيحية المشرقية، وعلى لبنان الوطن، واشارت الى ان تشديد الراعي على الصلاة من أجل إنتخاب رئيس، وتشديده على «التعاون لتخطي هذه المرحلة الدقيقة وانتخاب رئيس للجمهورية». وفي نفس الوقت استمرار تذكيره بأنه «لا يحق لأحد مخالفة الدستور ولا يمكن ان يحل احد مكان رئيس الجمهورية، وإبداء ألمه من استمرار الفراغ، هو رسالة لجميع الناس، وتحديدا النواب منهم، والمسيحيين بشكل خاص، بأنه قد يلجأ إلى ما هو أكثر من رفض إستقبال النواب في بكركي، خصوصا إذا ما استمرت المماطلة في هذا الخصوص، لأن دوره الأول كرئيس روحي للموارنة في الشرق والعالم، هو الحرص على بقاء هذه المجموعة، والحفاظ على إرثها الثقافي والحضاري.
وشددت على أن الراعي وفريق عمله يقومان بعمل جاد في الكنيسة للتخفيف من الضائقة الاقتصادية، ولكن الكنيسة لا تستطيع أن تستبدل الدولة، التي عليها أن تقوم بواجباتها تجاه المواطنين الرازحين تحت عبء الازمات المتتالية.
وحول إمكانية أن ترضى الكنيسة بمشروع نزوح المسيحيين من الشرق، قالت المصادر المسيحية إن ذلك من عاشر المستحيلات، فالمارونية متجذرة بغصون الأرز وأفنانه وجذوره، واقتلاع أرز لبنان أسهل بكثير من إقتلاع الموارنة من جذورهم، مستذكرة ما قاله البطريرك الراعي في مجلس خاص، ضمن لقاء جمعه مع قادة أحد الدول الذي عرض عليه هذا المشروع، فأجابه: «شو بعمل برفقا وشربل والحرديني»، وشو بعمل بعظام مار مارون؟ بشحنهن معي؟
واستذكرت المصادر قول الرئيس الشهيد بشير الجميل البشير: «كل الجماعات اجو وصار فينا يللي صار لأنو ما عرفنا نحافظ على الحقيقة، لأنو الحقيقة بأحيان كثيرة كانت تخوفنا، جايي اطلب منكن تقولوا الحقيقة مهما كانت الحقيقة صعبة»، واكدت أن البطريرك الراعي لا ينفك يواجه الزعماء المسيحيين بحقيقة أن الأمر أصبح في ناحية اللاعودة في موضوع الوجود المسيحي، وأنه يستند في مواقفه «النارية» التي يطلقها إلى دعم واضح من الفاتيكان التي أعطت بكركي الضوء الأخضر، كون دوائر الكرسي البابوي مستاءة جدًا من عدم توافق الأقطاب المسيحية في ما بينهم على إسم الرئيس العتيد لرئاسة الجمهورية، التي لم تعد تعني المسيحيين في لبنان وحدهم، بل كل المسيحية في العالم، وبالتالي، فهي ترى أن عدم إنتخاب رئيس للجمهورية سلوك «ينم عن عدم القدرة على تحمل المسؤولية التاريخية تجاه مسيحيي لبنان ومسيحيي الشرق».
وتؤكد المصادر المسيحية إن الدوائر الفاتيكانية لا تخفي قلقها حيال استمرار الفراغ والغايات المبيتة وراءه، ولأجل ذلك دعمت مبادرة كل من المبعوث الخاص لوزير الخارجية الفرنسي في الشرق الاوسط وافريقيا فرنسوا جيرو، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ، وكل المبادرات ذات الصلة، وبالمقابل، تستهجن كيفية سكوت وتراخي المرجعيات القيادية لدى المسيحيين، وهم ينظرون ما يحصل في «هذه الظروف الدقيقة والخطرة التي تمر بها دول المنطقة، في وقت تبدو فيه غير قادرة على الاتفاق على الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، مثابل التناحر على كرسي رئاسي لجمهورية، إن لم تبادر إلى إنتخاب رئيس لها، لن تبقى جمهورية، والله يعلم، تختم المصادر، أي كائن ستكون.