أُدخل سلاح النفط بقوة الى المسرح الجيوسياسي، من الشرق الأوسط الى أوكرانيا وفنزويلا، بتحالف سرّي بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.
كان من المفترض أن تُلهب تهديدات «داعش» والحروب والإضطرابات في سوريا والعراق وليبيا واليمن... والنزاع المتصاعد بين روسيا والغرب حول أوكرانيا والعقوبات على موسكو، أسعار النفط على غرار ما حصل إبان الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1973، وإثر اجتياح صدام حسين الكويت عام 1990، وبعد اجتياح القوات الأميركية العراق في أعقاب أحداث أيلول عام 2001 في أميركا.
إلاّ أن ما حصل هو العكس تماماً. فقد انهارت أسعار النفط أكثر من 43 في المئة حتى الآن، لسببين مُعلنين هما:
1-تطوُّر إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، ما يؤدّي الى إكتفاء ذاتي.
2- تمسُّك السعودية، على عكس غالبية الدول الأخرى، بمستوى إنتاجها في اجتماع أوبك الأخير في فيينا.
هذا في الظاهر، أما في العمق، فإن هناك أسباباً استراتيجية أوسع وأكثر أهمية.
أولاً، من شأن سياسة خفض أسعار النفط أن تُبقي الضغط على إيران على طاولة المفاوضات النووية، على رغم تلقّيها 700 مليون دولار شهرياً من الأصول المالية التي فك تجميدها.
وتجدر الإشارة الى أن استطلاعاً حديثاً للرأي، أظهر أن همّ «تعزيز فرص العمل» يحتل أولوية إهتمامات الشعب الإيراني أكثر بكثير من «استمرار برنامجنا للتخصيب النووي»، إضافة الى الأعباء المالية التي تتحمّلها طهران في دعم النظامين الحليفين لها في سوريا والعراق.
ثانياً، إبقاء الضغط الإقتصادي على روسيا التي تعتبر من أكبر مُصدِّري الطاقة في العالم. وقد تجلّت النتيجة في انهيار العملة الروسية (الروبل). ويُتوقع أن يتلقى الناتج المحلي الإجمالي الروسي ضربة كبيرة، إذ إن موازنة الكرملين لعام 2014 بُنيَت على معدل 117 دولاراً لبرميل النفط، وعلى 100 دولار للعام المقبل.
وعلى رغم أن موسكو تتمتع بإحتياطات مالية كبيرة، إلّا أن انخفاض وارداتها بالتزامن مع العقوبات الغربية سيقيّد قدرة الكرملين على دعم الشركات الروسية المتضررة من العقوبات، وسيجبره على تعديل موقفه من المفاوضات الجارية حول مستقبل أوكرانيا وتلبية مطالب الغرب.
وبالفعل بدأت موسكو تشعر بخطر هروب الرساميل، ما اضطر البنك المركزي الروسي الى رفع الفائدة الى 9,3 في المئة، مقارنة مع 0,5 في المئة في أميركا وأوروبا.
ثالثاً، زادت سياسة خفض أسعار النفط من مشاكل فنزويلا الإقتصادية ما أدّى الى انهيار عملتها، من مئة «بوليفر» في مقابل الدولار في أيلول، الى 180 بوليفر، ما سيزيد الإحتجاجات الشعبية ويُهدّد الحكومة المناوئة للولايات المتحدة في الإنتخابات المقررة في العام المقبل.
أما لماذا دخلت السعودية في هذه الشراكة مع الأميركيين، فالسبب هو قلقها على استقرار دول الخليج أولاً، والخطر الذي تُمثله «داعش» والذي يفوق وزناً وأهمية الأكلاف الإقتصادية الناجمة عن خفض الأسعار.
يبقى، كيف ستردّ موسكو وطهران، متى وأين؟