تتزايد يوما بعد يوم , في ظل الازمة العاصفة , بل الازمات المتراكمة في البلاد الاسلامية عامة , وفي لبنان خاصة , الظواهر الدينية المتمذهبة والرابضة خلف مفاهيم تكفيرية تخويفية من الاخر , والملفت فيها بشكل مخيف تكثيف استحضار الغيب في سلوكياتها اليومية , مما يؤدي الى ربط الناس بالوهم وإبعادهم عن الواقع , لأن الواقع المتعدد يفرض المشاركة مع الاخر لظروفه الموضوعية , فيمنع تمرير المشاريع السياسية المشبوهة .
هذا الربط بالغيب يُعفي الانسان من المسؤولية لانه غير ملموس وليس مشاهد للعيان , فيمكنك تصور الغيب كما تشاء , ويمكنك ان تشكل منه صورا تزرعها في ذهن الناس تناسب واقع الحال
هذه الظواهر الثقافية كانت دائما تُستحضر في اجواء الازمات التي كانت تعصف من فترة الى أخرى في التاريخ الاسلامي , وخاصة في ظل السلطات الاستبداية التي حكمت الناس بالنار والحديد , والظلم والتعسف , كان الناس يهربون الى عالم الغيب والتخلي عن المسؤوليات الاجتماعية والسياسية , ويبحثون عن حلول لأزماتهم بعيدا عن الواقع المستعصي عليهم , بمعنى انهم كانوا ينتظرون حلا غيبيا يأتي اليهم ليخلصهم ويريحهم من عناء المواجهة , أو كان هذا يعطيهم الامان النفسي , الا أنها كانت محصورة بعدد من رجال الدين , وهم الذين يُعزى اليهم تأسيس مذاهب فكرية متلبسة بالدينية , على سبيل المثال لا الحصر , ظاهرة التصوف عند أهل السنة والجماعة , وظاهرة العرفان عند التشيّع , وقد تحولت هذه الافكار مع مرور الزمن الى مذاهب وطرق لها قوانينها الخاصة , وطرقها الخاصة , وممارساتها الخاصة , وتحولت ايضا الى طقوس دينية , وغابت في بطون الكتب , ويتم الان أستحضارها على أنها مناهج يُقاس عليها وينتج من خلالها منظومة ثقافية دينية مذهبية تتمركز خلف جُدُرٍ وأسوار مقابل المخالف , وأعطوها صفة الحقيقة والحق , مغلقة عن بعضها البعض , وانتشرت بين عامة الناس .
إنتشارها بين عامة الناس , والتزام الناس بها كشعائر دينية , أو طقوس دينية , او دين , كان بذكاء من السلطة التي إلتفّت على رموز هذه الحركات واستوعبتها وشغلتها لمصلحتها , فبدأت هذه الرموز الدينية تعمل بإمرة السلطة وتبث هذه المفاهيم بين الناس عامة على انها دين يُدان به , وشعائر من شعائر الله .
فتشكل في الوعي الجماهيري المذهبي دين جديد ضد الدين الذي أنزله الله , دين يقول بعدم كرامة الانسان المخالف بالرأي والعقيدة , مقابل دين الله الذي كرم الانسان واحترم الرأي والحوار , دين يقول بأن الزيارة المستحبة أفضل من الحج الواجب , دين يقول إن ممارسة الشعائر المختلقة تُعفي الانسان من الواجبات الاخلاقية , دين يقول بعدم التسامح والغفران مقابل دين الله الذي يقول رحمة الله وسعت كل شيء , دين يقتل على الشبهة وينفي على الشبهة مقابل دين الله الذي يقول إن الظن لا يغني من الحق شيئا .......