هل المرونة التي أبداها رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون في استعداده "للتفاوض حول الجمهورية" هي فعلاً غير مشروطة، أم أنها مرحلة تسبق انتخاب رئيس الجمهورية، بدليل تداركه" (...) والا فأنا "مستمر في ترشّحي للرئاسة". هل هذا الموقف ظاهره مرونة وباطنه فتح محادثات تستوجب وقتاً لتصحيح استرجاع المكانة المسيحية في المعادلة السياسية اللبنانية؟ وهل هذا ناتج من رغبتين، فرنسية أو روسية، أو الاثنتين معاً في إنهاء ملف الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً بعدما ناقشه مع كل من الموفدين الفرنسي جان فرنسوا جيرو والروسي ميخائيل بوغدانوف اللذين زاراه في منزله في الرابية الأسبوع الجاري بفارق زمني لا يتعدى الساعات الـ24؟
نفى مصدر مقرّب من عون أن يكون قد قصد رغبته في التفاوض، التفتيش عن بديل لملء الفراغ الرئاسي، بل أن ما كان يقصده هو، التفاوض حول "الجمهورية"، اي "تركيز الوضع المسيحي في المعادلة اللبنانية، وتحديداً تثبيت حقوق المسيحيين".
ويرى رئيس "التيار الوطني الحر" ان ذلك يمكن ان يتحقق بقانون انتخابي جديد تتم بموجبه الانتخابات، وفي ختامها يصار الى انتخاب رئيس للجمهورية بعد شغور قصر بعبدا من رئيسه منذ 202 يومين. ويرمي عون في موقفه الجديد الى "ترسيخ الوجود المسيحي السياسي التمثيلي، لأن الفرصة مؤاتية لهذا الطرح"، مقللاً من خطورة بقاء البلاد من دون رئيس. وأوضح ان ترحيب الجنرال باستقبال جعجع في الرابية يعود الى رده على سؤال صحافي، لا أكثر.
وأكد أن استعداد عون للتفاوض لا يعني بالضرورة تعديل اتفاق الطائف، جازماً بأن النقاش مع كل من جيرو وبوغدانوف في انتخاب رئيس كان عاماً، دون الطلب منه اعطاء الفرصة امام مرشح تسوية او توافقي. إلا أن عون شدد أمام الموفدين على أهمية تثبيت الوجود المسيحي في المعادلة السياسية باعتباره حاجة ملحة، لأن ما يجري في العراق وبعض المناطق السورية ضد المسيحيين يقلقه جداً ويشعره بالخطر الحقيقي على كيان البلد، وليس على أن تكون رئاسة الجمهورية لماروني. واستبعد ان يحصل أي تقدم في ظل هذه الأجواء، وهذا ما لن يقبل به جعجع ليزور عون في الرابية، لأنه يريد أن يتركز الحديث بينهما على رئيس توافقي يصار الى اختياره، لأنه كما يقول الرئيس نبيه بري "لم يعد الجنرال مرشحاً للرئاسة بل يحق له المساهمة في تسمية المرشح".
وتبين أن لا التحرك الفرنسي ولا قبله الروسي أدّيا الى توفير النصاب للدعوة الى جلسة انتخابية صار رقمها 16، يحرص بري أن يحدد كل ثلاثة اسابيع موعداً مماثلاً لها من باب رفع العتب والقيام بالواجب والتذكير بضرورة انتخاب رئيس للبلاد. وهو يدرك سلفاً أن النصاب لن يتأمن نتيجة مساع لموفدين فرنسي وروسي اعتبرهما قطب سياسي من الدرجة الثانية من حيث الأهمية. ورأى انه لو كانت موسكو وباريس أكثر جدية، لاوفدتا على الأقل كلاً من وزيري الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والروسي سيرغي لافروف. وخلص الى أن السنة الجارية ستنتهي بعد أيام قليلة دون انتخاب رئيس للبلاد بعدما أرجأ بري الموعد الجديد الى السابع من كانون الثاني 2015. وعقّب بغضب: "ستة أشهر وأكثر من 22 يوماً لم تكف لانتخاب رئيس للبلاد يحلّ محلّ ميشال سليمان الذي انتهت ولايته".
وسيعود الموفد الروسي الى بيروت بعدما اضطر الى التوجه الى كل من انقره ودمشق بناء على ارتباطات سابقة من أجل استكمال لقاءاته اللبنانية، حيث سيجتمع بمرشح قوى 14 آذار سمير جعجع ورئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجيه مختتماً أوسع لقاءات أجراها مع شخصيات لبنانية في أقصر مدة أقامها في لبنان، شملت 22 مسؤولاً حكومياً وحزبياً.