لم تكسر زيارة الديبلوماسي الفرنسي جان فرنسوا جيرو لبيروت جليد الازمة الرئاسية فعلا اذ انه على رغم موجات التفاؤل التي عبر عنها البعض، فان ثمة حذرا تتقاسمه اوساط عدة بناء على وجهتي نظر، انطلاقا مما نقله جيرو من انه، وقبل ثلاثة اشهر، حين اتصل بالايرانيين من اجل محاولة فتح كوة تسمح بالذهاب الى انتخابات رئاسية في لبنان لم يلق اي ترحيب. الا انه حين اتصل به الايرانيون قبل بضعة اسابيع لهذه الغاية تلقف المناسبة من اجل استثمارها وعدها عاملا ايجابيا ربما تساهم في انهاء الشغور الرئاسي. احدى وجهات النظر تنطلق من الحذر من الموقف الايراني الذي قد ترغب طهران بموجبه ان تظهر ايجابيتها للدول الغربية وان تحسن اوراقها مع الدول الاوروبية في الوقت الضائع الفاصل عن استئناف المفاوضات حول ملفها النووي والوصول الى نتائج في شانها. وهذا الحذر يعود الى واقع ان ايران التي تمسك عبر حلفائها في قوى 8 آذار بورقة انتخاب رئيس في لبنان قد تفضل الاحتفاظ بها من اجل ان تتفاوض مع الاميركيين وليس مع الاوروبيين في شأنها انطلاقا من ان مشكلتها الحقيقية ان لجهة العقوبات الاقتصادية او سواها هي مع الولايات المتحدة اكثر منها مع الدول الاوروبية. فالسؤال هنا هو لماذا قد تعطي طهران الاوروبيين ما يمكن ان تساوم به مع الاميركيين؟ وتبعا لذلك يخشى اصحاب وجهة النظر هذه ان تكون ايران غير جدية خصوصا متى كانت سمة تعاطيها مع الشأن اللبناني مماثلة لتلك التي كان يعتمدها النظام السوري حين كان يفاوض الدول الغربية على الاستحقاقات اللبنانية ويحيل المفاوضين الى الافرقاء اللبنانيين من حلفائه الذين يعرقلون بدورهم الوصول الى اي نتيجة حتى يعود اليه حسم الملف كليا. والاختباء وراء العماد عون وشروطه المرتفعة كان ولا يزال يندرج في هذا الاطار، وفق اصحاب وجهة النظر هذه الذين رأوا في المواقف الاخيرة لرئيس التيار الوطني الحر ما يستمر يندرج في هذا الاطار. ويعتبر هؤلاء ان ثمة اتجاهات تثير خشية بعض الدول على غرار المخاوف التي تساور روسيا وتدفعها الى الانخراط في مساعي في سوريا راهنا عبر تحرك نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. ومن غير المستبعد ان ثمة حسابات معينة دفعت ايران الى فتح كوة لفرنسا لكنها تحتاج الى التثبت من جديتها، يقول اصحاب وجهة النظر هذه انها ستتوقف على ترجمة "حزب الله" هذه المواقف الايرانية وما اذا كانت على غرار التغيير الذي قام به الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله حين بدل شروطه من تأليف الحكومة الحالية بمواقف مختلفة نسبية في موضوع الرئاسة.
اما وجهة النظر الاخرى فتفضل اعطاء بعض الصدقية للموقف الايراني المستجد بناء على اعتقاد ان ايران قد ترغب في التخفيف من التضييق الاقتصادي الذي تعاني منه عبر الذهاب الى تنفيس ما في اتجاه سياسي آخر غير ملفها النووي، فضلا عن واقع تخوفها، وفق ما يعتقد اصحاب وجهة النظر هذه من تحكم الحزب الجمهوري بالكونغرس الاميركي بدءا من الشهر المقبل، ما يدفعها الى ابداء مرونة تحصل من خلالها على تعاطف الغرب او دعمه متى كان ثمة تعنت اميركي.
ويعتبر اصحاب وجهة النظر المتفائلة انه الاسلوب نفسه الذي استخدم من اجل تأليف حكومة الرئيس تمام سلام عبر وساطات قام بها سفراء معتمدون في لبنان بالنيابة عن عواصم بلادهم في اتجاه دول اقليمية تحت عنوان الذريعة نفسها اي محاولة تحييد لبنان عن الخلافات بين دول المنطقة حول سوريا والعراق وسائر الملفات الاخرى في اليمن او البحرين وما الى ذلك. لكن الاخراج كان لبنانيا في نهاية الامر، ما ساهم في المحافظة على ماء الوجه للقوى الداخلية ازاء تأثيرات خارجية تتحكم بالوضع الداخلي ويعجزون عن تخطيها وحدهم. ومن هذا المنطلق تعد مصادر عدة زيارة جيرو، وفقا لبعض المتفائلين، بمثابة اعطاء اشارة العد العكسي لضرورة انطلاق البحث جديا في انهاء الشغور في موقع الرئاسة الاولى بناء على ما نقل من تذليل للعقبات الخارجية واستعدادات من الدول الاقليمية المؤثرة او انفتاحها على حل لهذه المسألة. اذ ان فرنسا والتي تأخرت أشهراً عن الاعلان او الخوض علنا في هذا المسعى ومباشرته في اتجاه لبنان، ولو انها قامت باتصالات سابقة على نحو شبه متواصل، كانت تتجنب خوض رهانات او جهود خاسرة لا تتوافر لها الظروف المناسبة للنجاح انطلاقا من انه باستثناء الامم المتحدة ربما ليس من ادوار فاعلة في هذا الاطار سوى لفرنسا او لاميركا التي لا تنوي خوض تجربة مماثلة مباشرة ولا التفاوض مع ايران في موضوع لبنان او اي امر آخر قبل انهاء الملف النووي الايراني.
ومع ان جيرو لم يتحدث بالاسماء او يطرح اي اسم في شكل جدي الا انه وحسب من التقاه ترك انطباعات بعدم وجوب ان تقف بعض الامور كالتعديلات الدستورية مثلا في وجه امكان ايجاد حل للمأزق الرئاسي خصوصا ان لبنان لم يتوقف عند تعديلات مماثلة حين رغب في ايجاد حل للمشكلة الرئاسية سابقا تاركا المجال لبعض التكهنات في هذا الاطار.
والامور تبدو مرتبطة الى حد بعيد بالحوار المزمع انطلاقه في جلسة اولية بين تيار المستقبل وحزب الله قبل نهاية السنة في موازاة ضجة على حوار مواز لدى المسيحيين، اذا كانت ثمة ملامح لبننة للحلحلة الخارجية.