تبدو الحركة الديبلوماسية التي شهدها لبنان في الأيام الاخيرة والتي أدرجت تحت عنوان ضرورة اجراء انتخابات رئاسة الجمهورية بمثابة خشبة انقاذ نسبياً للحكومة من حيث اشاحة النظر بعض الشيء عن موضوع بات يثقل عليها وهو موضوع المخطوفين العسكريين الذي لا تزال تتخبط فيه بين مَن يود ان تحصل مبادلة او مقايضة من اجل استعادة العسكريين ايا يكن الثمن، ومَن يعتمد مبدأ التشدد في هذا الملف على اساس اقتناع بأنه أياً يكن الثمن فان الخاطفين لن يتخلوا عن اوراق ابتزاز يمتلكونها ضد الدولة اللبنانية. الا ان مصادر وزارية تخشى ان يستمر التعثر قائماً في الملفين من دون حلحلة في الافق بالنسبة الى أي منهما على رغم الانتقادات التي ساقها زعماء لخلية الازمة الحكومية في موضوع العسكريين المخطوفين وعلى رغم الجهود او المساعي التي اوحت بها زيارتا كل من نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف ومدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو لبيروت في موضوع الحض على انتخاب رئيس وانهاء الفراغ في سدة الرئاسة الاولى.
تقول مصادر وزارية ان الخلافات الداخلية قاصمة لظهر الحكومة ولبنان في الموضوعين. ففيما تبدو واضحة آثار هذه الخلافات في الشغور المستمر في رئاسة الجمهورية فانه في موضوع العسكريين المخطوفين تواجه الحكومة تحديات بمنع انزلاق البلد الى الفتنة من جهة كما حصل قبل يومين وبزيادة التباعد والفجوة بينها وبين اللبنانيين من جهة اخرى على نحو مغاير للمهمة التي سمحت بتأليفها في الدرجة الاولى، في الوقت الذي يبدو فشلها صارخا في حماية ابنائها وعدم امتلاكها القدرة ولا القرار في معالجة موضوع يفترض ان يلقى اتفاقا كاملاً وحاسماً من جميع الافرقاء السياسيين. فقد تلقت الحكومة ضربة قوية اولا بانسحاب قطر من وساطتها والذي تردد ان سببه التخبط الحكومي في التعاطي مع الموضوع بحيث اصبحت الحكومة وجها لوجه مع الخاطفين وان استخدمت اطرافا داخليين للوساطة، في حين انها هربت من ذلك في اتجاه محاولة تأمين انخراط دول ثالثة قيل ان الخاطفين طالبوا بان تكون قطر أبرزهم. ومن ثم من حيث عدم قدرتها على ضمان عدم التعرض لحياة العسكريين استناداً الى وعود كان تردد ان قطر حصلت على ضمانات في شأنها في وقت سابق. وفيما لا يبدو الوقت عاملا مساعداً بالنسبة الى الحكومة بل يلعب ضدها وكذلك الامر بالنسبة الى الخلافات داخل خلية الازمة على اي من الخيارات يمكن ان يتم الاتفاق أي على مبدأ المقايضة او التشدد، لا تبدو الاوراق التي تملكها الحكومة قوية على نحو كاف وفق ما تم التلويح به. وما انعكس سلباً أيضاً عليها هو اعتماد التفاوض عبر الاعلام في غالب الاحيان بحيث تخشى المصادر المعنية الا يعكس ذلك جدية كافية لاستعادة العسكريين في حال التسليم جدلا بوجود اقتناع بامكان استعادتهم. وهذا الامر الاخير مشكوك جدا فيه، علماً أن الأمر يتم تصويره وكأنه بين طرفين اي الحكومة من جهة والتنظيمين الخاطفين من جهة اخرى. الا انه وكما في اي عملية مشابهة ثمة اطراف عديدون يغذون استمرار هذه الازمة للاستفادة منها وقد لا يكون من مصلحتهم ايجاد حلول قريبة او ايجاد حلول لها في المطلق لاعتبارات ومصالح مختلفة في الوقت الذي يبدو لبنان عموما مع اهل العسكريين في موقع غير رابح على الاطلاق.
ينعكس هذا التخبط السياسي في موضوع العسكريين المخطوفين يأساً من امكان ايجاد حل لموضوع الفراغ في الرئاسة الاولى إستناداً الى ان موضوعاً بأهمية العسكريين الذي يلقى اجماعاً مبدئياً يصطدم بعقبات داخلية وليس بعقبات من الخاطفين فحسب، فكيف بالموضوع الرئاسي؟ تقول المصادر الوزارية ان بوغدانوف وان اشار الى اهمية ملء الشغور الرئاسي وتحدث في مواضيع داخلية الا ان تركيزه في مكان اخر يتصل بسوريا من جهة وبالخلافات بين روسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، وما يتفرع من هذه الاخيرة من تردّ للاوضاع الاقتصادية في روسيا الى حد المعاناة الفعلية والى الحذر مما قد يكون جرى بين الولايات المتحدة وايران، خصوصاً في اللقاءات المباشرة بين الطرفين. أما زيارة الديبلوماسي الفرنسي فلا آمال كبيرة عليها بناء على معطيات تفيد بأن فرنسا قد تكون تتحرك علناً في هذا الملف ليس بناء على معطيات جديدة سمحت لها بالجهر بمساعيها بحيث لم تعد تخشى على فشل هذه المساعي، بل بناء على رغبتها في "إبقاء ملف الرئاسة اللبنانية حيا في الواجهة بحيث لا تطغى عليه اهتمامات اخرى تضعه على الرف. كما ان ثمة معطيات تفيد بأن الموقف الايراني ليس مرناً الى الحد الكافي بما يوحي بإمكان الحلحلة استناداً الى ان الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله كان قال ان حلفاءه الاقليميين فوضوه البحث في هذا الموضوع تزامنا مع اعلانه التمسك بترشيح العماد ميشال عون. وما لم يقنع الفرنسيون عون بالذات بالقلق من الفراغ الرئاسي الذي قال جيرو من امام السرايا الحكومية ان فرنسا تشعر به مع العديد من شركائها او ينقلون الى عون هذا القلق ويقنعونه به ، فان الامور ستبقى تراوح مكانها ، هذا في حال التسليم جدلا بأنه سيتاح لفرنسا التي انتقد الرئيس السوري بشار الاسد دورها مجدداً في الاونة الاخيرة، ان تحظى بالفضل في تأمين انتخاب رئيس جديد للبنان.