رغم أن هذه ليست المرة الأولى منذ انفجار الحرب الاهلية في سوريا التي تقوم فيها إسرائيل بغارات جوية على الأراضي السورية من دون أن تعلن تحملها للمسؤولية عنها، فان القصف الاخير الذي استهدف ضواحي مطار دمشق الدولي وبالقرب من الحدود السورية –اللبنانية خرج عن المألوف في اكثر من نقطة. فهو حدث بعكس السابق خلال ساعات النهار بحيث كان من الصعب على السلطات السورية التأخر في الاعلان عنه، وهو يأتي بعد فترة هدوء نسبي مستمرة منذ شهر شباط الماضي بعد الهجوم على جنتا في البقاع اللبناني، كما ياتي في فترة حرجة على الصعيد الداخلي في إسرائيل بعد انهيار الائتلاف الحكومي والدعوة الى انتخابات مبكرة.
من هنا السؤال ما هي الرسائل التي ارادت إسرائيل ارسالها؟ كالعادة تعامل الاعلام الإسرائيل مع ما حدث بما يتلاءم مع سياسة الغموض والانكار المعتمدة في إسرائيل ازاء هذا النوع من العمليات العسكرية والتي تهدف براي الإسرائيليين عدم احراج الخصم وحشره وتفادي الدخول في مواجهة مباشرة مع خصومها. في راي المراسل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل فالهجوم المنسوب إلى إسرائيل يدخل ضمن سياسة الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل منذ بداية الحرب السورية، أي ضد نقل منظومات سلاح متطور أو سلاح كيمائي من سوريا إلى "حزب الله"، أو المس بالسيادة الإسرائيلية. لكن الكاتب يشير إلى ثلاثة عوامل أساسية طرات في الفترة الاخيرة وربما كانت وراء الهجوم: العامل الأول القواعد الجديدة التي وضعها "حزب الله" في المواجهة مع إسرائيل على الجبهة الشمالية والثقة الكبيرة في النفس التي يظهرها في الفترة الاخيرة في تحديه لإسرائيل، والعامل الثاني تغير أولويات المجتمع الدولي بشأن الحرب السورية من هدف الاطاحة بالأسد في البداية، وكيف أصبح اليوم هو القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والغارات التي يقوم بها الأميركيون داخل سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ العامل الثالث هو انها المرة الأولى التي تتحرك فيها إسرائيل ضد سورية منذ اعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الدعوة إلى انتخابات جديدة.
ويستبعد الكاتب أن يكون للهجوم اسباب سياسية انتخابية اراد من خلالها نتنياهو اعادة هاجس الأمن الى اذهان الإسرائيليين، وفي رايه من الصعب ان يكون نتنياهو قد جر الاجهزة الامنية الى مثل هذا الهجوم لاعتبارات سياسية من دون أن يرشح شيء من ذلك الى الاعلام الإسرائيلي.
اما بشأن ردة فعل سوريا و"حزب الله" على ما حدث يرى الكاتب ان نظام الأسد لن يرد على الهجوم لانه لا يريد التورط في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل حليفة الولايات المتحدة التي تقوم بدلاً منه بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. لكنه يشير الى صعوبة توقع ردة فعل "حزب الله" على ما حدث.
وفي مطلق الاحوال فان تفعيل إسرائيل من جديد لسياستها غير المعلنة في التصدي لعمليات تهريب السلاح المتطور من سوريا الى "حزب الله" له دلالة مهمة اليوم لانه يعيد من جديد توجيه الانظار الى مشكلة تسليح نظام بشار الأسد "لحزب الله" والدعم الإيراني لهما، وهو يساهم في خلط الأوراق من جديد ويعيد الانتباه الدولي الى خطر سلاح "حزب الله" المتطور، ويظهر تدخلاً إسرائيلياً واضحاً الاولويات التي وضعتها الإدارة الأميركية لتدخلها في الصراع الدائر في سوريا.