على أبواب الحوار بين "حزب الله" وتيار المستقبل:
تحرير عجلة التنمية من الابتزاز السياسي والمذهبي.. واستعادة التوازن داخل المؤسسات الأمنية
ينطلق تيار المستقبل في مقاربته للحوار المتوقع بينه وبين "حزب الله" من دائرة تغليب المصلحة الوطنية ومنع انهيار الدولة، عبر الحفاظ على مؤسساتها الدستورية، رغم مسار الانتهاكات المتواصلة للدستور ولمنطق المؤسسات.
في مقابلته الأخيرة، وضع الرئيس سعد الحريري قواعد وأطر الحوار محدداً المبررات والدوافع لانطلاق جولة حوار جديدة، رغم الخيبات المتراكمة في التجارب السابقة، وخاصة نقض "حزب الله" لتوقيعه في محطات متلاحقة، أبرزها إسقاط حكومة الوحدة الوطنية، بعد أن كان الاتفاق على عدم إقالة الحكومة، وإعلان بعبدا الذي لم يكد حبر موافقة الحزب عليه يجف، حتى انقلب عليه بشكل شرس وعنيف.
قال الرئيس الحريري:"ممنوع أن نفقد الأمل".. معمماً هذا التوجه على مقاربته لمختلف الملفات والقضايا المطروحة على الساحتين الوطنية والإقليمية، من الحوار المرتقب مع "حزب الله" الذي وضعه في إطار الحوار "الجدي" مع الخصوم لحماية البلد مع الإبقاء على ربط النزاع حول المبادئ والعناوين المختلف عليها، إلى الهبتين السعوديتين بقيمة 4 مليارات دولار لمكافحة الإرهاب ودعم المؤسسات العسكرية والأمنية داحضاً في هذا الموضوع الشائعات عن "عمولات" في صفقات شراء الأسلحة ومؤكداً فتح اعتمادات بـ400 مليون دولار من أصل هبة المليار "والباقي على الطريق"، مع تشديده في الملف المركزي المتمثل برئاسة الجمهورية على كون الحوار المزمع عقده لن يقارب الأسماء والمرشحين بل سيقتصر على ضرورة التوصل إلى رئيس توافقي يمتلك مواصفات تمكّنه من نيل "دعم الجميع للنهوض بالبلد".
ومن منطلق تشديده على كون مصلحة لبنان أهم من أي مصلحة شخصية، جدد الحريري التذكير بوجود "خلافات جذرية" مع "حزب الله" الذي وضع دخوله الحرب السورية في إطار "ضرب الجنون" مفنّداً من ضمن هذه الخلافات موضوع سلاح الحزب وتسليحه "سرايا المقاومة" بالإضافة إلى المحكمة الخاصة بلبنان، إلا أنه أكد في الوقت عينه وجود "أمور أخرى تهم البلاد" ويجب التحاور بشأنها. وقال: "أنا مع الحوار، ليس لمجرد الحوار. أنا مع حوار جدي لمصلحة البلد. أنا جدي بطروحاتي، اريد انتخاب رئيس الجمهورية، واجراء الانتخابات النيابية، وأريد أن ينهض الاقتصاد، وأن نخرج من هذه الدوامة التي يغرق فيها البلد، يجب أن ننقذ البلد ومؤسساته، وإذا ذهبنا الى الحوار، أريده أن يكون جدياً مع نتائج"، مؤكداً في هذا السياق أنّ إحدى أهم وظائف الحوار هي احتواء الاحتقان السني الشيعي، وأنّ "أجندته" يتم تحضيرها بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري ورئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط، مع إشارته إلى أنّ اللقاء بينه وبين الأمين العام لـ"حزب الله" لا يزال "بعيداً جداً" وأن التحاور سيكون في المرحلة المقبلة بين مسؤولين في "تيار المستقبل" وآخرين من الحزب.
وأعلن الرئيس الحريري تخصيص مبلغ 20 مليون دولار لمشاريع طرابلس الإنمائية لمساعدة المدينة على تجاوز محنتها والاستنزاف الذي عانته اقتصادياً وأمنياً.
التنمية على طاولة الحوار
بما أن الحوار المتوقع لا يرقى إلى المستوى الاستراتيجي ولا يحمل المتحاورون آمالاً كبيرة في أن يُحدِث تحولات عميقة في الواقع السياسي، وربما جلّ ما ينتهي إليه إيجاد حل لأزمة الفراغ القاتل في رئاسة الجمهورية.. فإننا نقترح أن يتفرّع حوار تيار المستقبل و"حزب الله" إلى قضايا يمكن التفاهم عليها ومن شأنها إحداث تغييرات إيجابية في حياة شرائح كبرى من اللبنانيين.
من المعلوم أن ملفات الإنماء في طرابلس والشمال، خضعت وتخضع للابتزاز السياسي المكشوف، حيث تتعطل المرافق والمؤسسات ضمن استراتيجية الاستنزاف والإصعاف لحضور الدولة ومؤسساتها، ولمنع قيام توازن إنمائي يجعل المناطق "المحررة" من سيطرة "حزب الله" الأمنية، قادرة على تشكيل نموذج متقدم لحضور الدولة على أراضيها.
لقد خضعت قرارات ومشاريع وفرص الإنماء في مناطق بعينها لعمليات ابتزاز سياسي، كما حصل عندما قررت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تخصيص 100 مليون دولار لصالح مشاريع طرابلس التنموية.. ثم تبخر المبلغ بسبب إصرار وزراء "حزب الله" وحركة أمل على إلزام الحكومة الميقاتية تأمين مبالغ مماثلة لمناطقهم.
وخلال الفترة الماضية، شهدنا تعطيل تشغيل مطار القليعات، رغم وجود قرار من مجلس الوزراء، إلا أن الاعتبارات الاستراتيجية تدفع "حزب الله" إلى الاستمرار في منع انطلاق عجلة العمل في هذا المرفق الحيوي الذي من شأنه تغيير حياة الناس في عكار والشمال.
ومشروع توسعة مرفأ طرابلس وتطوير معرضها وتأهيل وتشغيل مصفاتها، إضافة إلى المشاريع التنموية ذات الطابع التغييري .. كلها ملفات معلقة، وتتعرض المدينة للابتزاز الدائم، ويـُحال بينها وبين مشاريعها، لتبقى غارققة في شتى أنواع الحرمان..
لذلك، فإن الحوار المنتظر بين تيار المستقبل و"حزب الله" لا يجب أن يقتصر على الجوانب السياسية، على أهميها، بل يجب أن يشمل أيضاً تحرير الإنماء في الشمال في غيرها من المناطق المحاصرة تنموياً لانتمائها ولتوجهها السياسي الرافض لهيمنة الحزب وتسلطه على مختلف نواحي الحياة في لبنان.
وفي ضوء إعلان الرئيس الحريري أنه يريد ضمن مقاصد الحوار "أن ينهض بالاقتصاد"، فإه يصبح من باب أولى التركيز والإضاءة والدفع باتجاه وضع الملفات الاقتصادية على طاولة الحوار، والوصول إلى نتائج عملية ومباشرة، من شأنها أن تعوّض تيار المستقبل بشكل خاص، عن اضطراره للتنازل والدخول في الحوار، رغم استمرار "حزب الله" في توريط لبنان في المستنقع السوري وفي التسلط على مقاليد الدولة وانتهاك سيادتها..
إن بند تحرير المشاريع من قيود الابتزاز هو مهمة لا تقل أهمية عن إتمام صفقة التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وهي تجربة يعوّل عليها جمهور المستقبل وعموم قوى 14 آذار، من خلال وجود الأستاذ نادر الحريري على رأس الفريق المستقبلي المولج إدارة الحوار، وهو المعروف بجديته وإصراره ومنهجيته في الأداء السياسي، وبشكل خاص في الملفات الدقيقة والحساسة.
البعد الأمني: استعادة التوازن
لا يمكن التغاضي عن ضرورة إصلاح أوضاع المؤسسات الأمنية في الشمال خصوصاً، وفي لبنان عموماً، بعدما أصابها من تصدّع وجمود وآحادية، وبعدما تعرّضت له من نكسات معنوية جراء خضوعها لتسلط "حزب الله" الذي يصرّ على التحكم بحركتها ووضعها في مواجهة دائمة مع الجمهور المناهض للحزب.
إن الواقع الأمني يفرض الإصلاح في جملة اتجاهات أساسية، أهمها:
ــ إعادة ضبط معايير الاعتقال والتوقيف بضوابط حقوق الانسان وأهمها وقف التعذيب والالتزام بالمدة القانونية للتوقيف.
ــ الضغط باتجاه إلغاء القضاء الاستثنائي، وتحديد إطار عمل مخابرات الجيش في مسار التحقيق والضبط العدلي.
ــ إعادة التوازن داخل المؤسسة العسكرية وخاصة في مواقع الضباط وإخراج الذين باتوا يشكلون عبئاً على حركة الجيش وعامل تعثـّر لعمل القوى الأمنية من المعادلة، للانتقال إلى مرحلة التوازن الممهد لعودة الثقة المعتزة بسبب ممارسات بات الجميع يعلمها ووصلت الشكوى منها أعلى درجات المستوى السياسي.
ختاماً:
ننتظر في الأيام القليلة التي تسبق انطلاق الحوار بين تيار المستقبل و"حزب الله" إعداد الملفات الاقتصادية والتنموية وخوض غمار استنقاذها وجعلها في دائرة التنفيذ، في ظل إدراك الحزب عجزه الفعلي والضمني عن اجتياح المؤسسات بشكل نهائي، والإتيان برئيس يختاره منفرداً، ومع الضوء الأخضر السعودي لحوار وطني يدعم تماسك الدولة اللبنانية ووحدتها، وهو أمر لم يستطع "حزب الله" أن يعلن أو يفعل ما يسفر عن انهيارها الكامل.
هي معركة تثبيت الدولة عبر مؤسسة الرئاسة، كما سبق أن حصل في تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، وسط عواصف هائلة تضرب محيطنا المباشر والممتد، فعسى أن تنجح مبادرة الرئيس الحريري، لأن إفشال "حزب الله" لها يعني الانهيار المحتم لما تبقى من الدولة اللبنانية ليس لصالح مشروع الولي الفقيه في لبنان، بل لصالح الفوضى الشاملة، لأن الوقائع المتتابعة والمتوقعة، تؤكد أنه لن يـُسمح لإيران وحزبها باستفراد لبنان وضمه إلى خريطتها، بل ربما نشهد تراجعاً للحضور الإيراني، كما حصل في العراق بعد الثورة المشهودة على ظلم المالكي وطغيانه.