من قال لكم أن امتلاككم لسياراتكم الشخصية المدرعة، وتزايد أعداد عجلاتكم المصفحة هي الوسيلة الناجعة لبناء العراق ؟. ومن قال لكم أن اختبائكم خلف زجاجها المظلل سيحمي أطفال العراق من شظايا الغارات الإرهابية الحاقدة ؟. ومن قال لكم أن تكاثر حراسكم الشخصيين سيعزز أمن الشعب ويضمن له الاستقرار المنشود ؟. هل تناسيتم أن التضحية ينبغي أن تكون لحماية الوطن من أعدائه، والذود عنه ضد مستهدفيه من الإرهابيين والمخربين واللصوص والفاسدين والفاشلين والمتسلقين.
وكيف اقتنعتم أن رواتبكم العالية هي التي تبني العراق، وأن مخصصاتكم المالية الطائلة هي التي ستشبع بطوننا الخاوية وتشفي أمراضنا المزمنة ؟، وهل نبني العراق بمخالب الوصوليين، الذين يطمحون لنيل المزيد من المزايا المالية، ويستهدفون نهب ثرواتنا ليرتقوا على أكتاف العراق، ويتخذوا منه جسرا للعبور إلى مصالحهم الخاصة وغاياتهم النفعية غير المشروعة ؟. نحن الآن في أمس الحاجة إلى إتباع سياسة الترشيد والتقشف المالي مع كبار المسؤولين، فقد اقترن جهاد المالبجهادالنفس في القرآن في عَشَرة مواضع، تقدَّم فيها جهاد المالعلى الجهادبالنفس في تسعة مواضع، وتقدَّم جهادالنفس على جهاد المالفي موضع واحد فقط.
وكيف اقتنعتم أن الأشباح والجنود الفضائيين والشخصيات الكارتونية الوهمية هي التي ستخوض الحرب الضروس لتذود بالدفاع عن حياض وطننا، وتحمي أرضنا وتصون عرضنا، وتحقق لنا النصر المؤزر ؟. وكأنكم لا تعلمون أن القضاء على فساد التشكيلات العسكرية المترهلة هو الترياق الذي يقوي المناعة التعبوية القتالية. من هنا يتعين عليكم الإسراع بتصحيح المسارات المنحرفة، ومعالجتها بعين الوعي الوطني المخلص، وبعقلانية الوجدان العراقي المتحرر من الرواسب الطائفية والقبلية. فالطائفية هي الفيروس الخبيث، الذي يسعى نحو تفكك المجتمعات المتجانسة، ويسعى نحو إشاعة ثقافة القطيعة والانعزال، التي جعلتنا نرى أنفسنا في صورة معكوسة على مرآة مكسورة، ومع هذا صارت بعض الكيانات تسعى جاهدة للأسف الشديد لتكريس هذه الثقافة وكأنها كنز ثمين، ولكنه في الواقع كنز قاتل عندما يجري توظيفه في عالم التناحر والتنافر.
ختاماً كيف نعمل سوية لنبني مواطناً على صورة الوطن ؟. ألا ترون أننا عندما نطلب من أي طفل أن يرسم صورة العراق، يقدم لنا صورة عفوية مركبة من شمس وسماء صافية وحديقة ومنزل ملون وقارب يرسو على ضفاف النهر، فالعراقيون يولدون في أجواء نقية، ويترعرعون على صورة الوطن، لا على هوية الطائفة أو العرق أو القبيلة. لذا من المهم أن نعمل لإيجاد القاسم الوطني المشترك، الذي تقوم عليه قواعد الحرية والمساواة والعدالة.
علينا أن ننظر دائماً إلى المستقبل لنصنعه بأيدينا، فالمستقبل لا يُصنع إلا بالتنقيب والتجديد والإخلاص والشجاعة واعتماد العقل معياراً للبناء، والحضارة لا تُبنى إلا بالابتكار، وهذه مهمة لانهاية لها. إن فعلنا ذلك فنكون قد سرنا على الطريق الذي يوصلنا إلى بناء المواطن العراقي المتحضر فوق تربة أرض الرافدين.