يبدو أن عدوى كشف الفساد انتقلت إلى وزارة البيئة، لكنها لا زالت في مرحلة المراقبة بعد تنبيه وجّهه الوزير محمد المشنوق إلى المستشفيات والمختبرات والعيادات الخاصة ومراكز التجميل، بضرورة الإبلاغ عن أي مخالفة في موضوع معالجة النفايات الطبية الخطرة.

 

تنبيه المشنوق لم يأت من فراغ، بل من معلومات قدّمها غطّاسون معنيون بالشأن البيئي، تحذّر من وجود نفايات طبية في بحرنا منها أكياس مصل وضماضات وأبر...، إضافة إلى شكاوى عدة عن رمي نفايات طبية في مكبّات مع باقي النفايات المنزلية بمناطق جبلية من دون معالجتها وفق الشروط القانونية والأطر البيئية السليمة. هذه القضية دفعتنا أيضاً إلى طرح تساؤلات عدة عن معالجة الأعضاء البشرية والحيوانية المسرطنة!

 

توقيف المسؤولين

وزير البيئة لن يتراجع عن متابعة الملف حتى النهاية، ويؤكد لـ"النهار" أنه "في حال ثبت على أي مؤسسة أنها مخالفة في معالجة النفايات الطبية، سيتمّ توقيف المسؤولين واتخاذ الإجراءات المناسبة، لأن رمي نفايات سامة تهدّد حياة الناس جريمة جزائية".

 

ستلاحق الوزارة مصدر النفايات نظراً إلى خطورة إهمال معالجتها، ويقول المشنوق: "قد يكون فيها أشياء سامة أو مرفوضة بيئياً". وستتعاون وزارة البيئة مع وزارة الصحة في هذا الملف، وبحسب المشنوق "لا سلطة لنا على المختبرات أو المستشفيات لكن الصحة لديها السلطة"، وسيتم التشدد في مراقبة المستشفيات والمختبرات والعيادات ومراكز التجميل، ويقول: "من المعروف أن مستشفيات عدة تسلّم نفاياتها إلى جمعية "اركنسيال" لكننا لا نعرف باقي المؤسسات أين تذهب بها، لهذا سنعتمد الطريقة الصادمة في ملاحقة المخالف سواء بواسطة مراقبين صحيين أو بواسطة قوى الأمن الداخلي".

 

نفايات العيادات والمختبرات

نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون صبّ كل غضبه على المختبرات والعيادات الخاصة ومراكز التجميل، ويؤكد لـ"النهار" أن "غالبية المستشفيات متعاقدة مع جمعية "اركنسيال" لمعالجة النفايات، أو لديها معدات خاصة لمعالجتها في المستشفى، ونحن بدأنا مع وزارة البيئة منذ فترة بمسح شامل إزاء هذا الأمر". ويرجح أن "تكون الجهة المسؤولة عن العيادات التي تُجرى فيها أعمال طبية وجراحية مخالفة للقانون، والمختبرات وعيادات الأسنان والمراكز البيطرية ومراكز الأشعة، فهي تعمل بلا مراقبة، وملزمة أن تعالج نفاياتها، فلماذا لا يتمّ محاسبتها؟"

 

وكشف عن وجود "حوالى 125 مختبراً من أصل 250، تعمل خارج المستشفيات من دون مراقبة وزارة الصحة أو البيئة، فضلاً عن العيادات التي تُجرى فيها عمليات جراحية مخالفة للقانون في أبنية سكنية، فلماذا لا يُحاسب أصحابها؟"

 

من المستشفى إلى المطمر

لدى جمعية "اركنسيال" خمسة مراكز، في الجنوب والبقاع والشمال واثنين في بيروت، وهي وحدها معنية بهذا الأمر. وتوضح إحدى أعضاء فريق معالجة النفايات الطبية في الجمعية لارا موفق لـ"النهار "أن ما تستلمه الجمعية هو كل ما يصدر عن مراكز العناية الطبية، كالمختبرات والمستشفيات والعيادات، وما يصدر عن الجسم الإنساني أو الحيواني أو نفايات الامتحانات الطبية كالأبر وأنابيب فحوص الدم والضماضات والشراشف".

 

وتقول: "يُفترض أن يجمع المركز الطبي النفايات في برادات لديه، حتى لا تتكاثر البكتيريا إلى حين وصولنا، ثم تنقل "اركنسيال" النفايات إلى أقرب مراكزها. حيث تتعرّض أولاً للفرم ثم للتعقيم لمدة 10 دقائق على درجة حرارة 140 مع ضغط (4 بار)، وبعدها توضّب في أكياس سوداء يكتب عليها نفايات طبية معقمة، ومن هناك تسلك الطريق نفسه الذي تسير فيه النفايات المنزلية".

 

البقايا المسرطنة والكيميائية

ولدى سؤالنا عن مصير الأعضاء البشرية المسرطنة، أجاب الوزير المشنوق: "معالجتها متوافرة في الاركنسيال والجامعة الأميركية بحسب ما أعرف"، لكن النقيب هارون أكد أن "آلية معالجة البقايا المسرطنة والكيميائية غير متوافرة في لبنان، لأنه يجب أن تحرق على درجة حرارة 1200، وفي أفران شبيهة بالموجودة لدى شركات الترابة التي ترفض حرق هذه البقايا، لهذا يتمّ التخلّص منها حاليا مع باقي النفايات التي تأخذها "أركنسيال" ولا أعرف كيف يتعاملون معها". أما البقايا البشرية الطبيعية، فإن "كانت أجزاء كبيرة أو أعضاء كاملة، فهناك مستشفيات تسلمها إلى العائلة أو إلى أصحابها لدفنها، أما إذا كانت قطعاً صغيرة فيتمّ معالجتها مع باقي النفايات".

 

إلا أن المفاجأة أن "أركنسيال"، وعلى لسان لارا موفق، "لا تعالج أو تستلم أيّ بقايا أو أجزاء بشرية أو حيوانية مسرطنة ولا أدوية كيميائية أو منتهية الصلاحية"، وهي تعمل على إيجاد معالجة للأدوية، أما البقايا الكيميائية او المسرطنة فبحسب موفق "يجب ترحيلها إلى بلد قادر على معالجتها، لأن حرقها في لبنان يضرّ بالبيئة وغير متوافر حتى اليوم ولا نعلم أين تتخلص المستشفيات والمراكز الطبية منها".

 

وتشدد على أن "الأجزاء البشرية الكاملة كرجل أو يد مثلاً، نعيدها إلى المستشفى التي بدورها تسلمها إلى العائلة أو إلى أصحابها ليتخلصوا منها شخصياً، بحسب القانون والأخلاقيات". وتأسف لإقدام البعض على رمي أو حرق الأدوية أو البقايا المسرطنة من دون وجود ضوابط، "لأن هذا من شأنه أن يسبّب حالات تسمّم وأمراض معدية، ويزيد في نسبة مرض السرطان ويضرّ في الثروة المائية".

 

(محمد نمر)