تقول طهران ان المفاوضات حول ملفها النووي «تقترب من النجاح»، على رغم فشل اجتماع فيينا الأخير بينها وبين مجموعة خمسة زائد واحد في التوصل الى اتفاق نهائي وإعلان تمديد التفاوض اشهراً مديدة اخرى. لكن اللافت ان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف يقرن هذا «النجاح» بما قال انه «نتائج عملية تشمل تعزيز قدرات ايران اقليمياً».
وقد يدرج كلام ظريف في اطار صراع القوى داخل ايران بعد الحملة التي شنها المتشددون عليه واتهامه بتقديم تنازلات في فيينا، او التمويه على الفشل الذي تسببت به ايران للمفاوضات لهذا السبب الاقليمي ذاته. أو لعله يتقصد «إبلاغ» الدول العربية بأن «صفقة» ما تمت على هامش المفاوضات، تناولت الدور الايراني، وبدأت نتائجها في الظهور تدريجاً
. وتزامن تصريحه مع إعلان وزارة الدفاع الاميركية ان سلاح الجو الايراني شن للمرة الاولى منذ 1988، تاريخ انتهاء الحرب مع بغداد، غارات داخل الاراضي العراقية على مواقع لتنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، نفذتها طائرات من طراز «فانتوم 4» الاميركية الصنع.
وبدا الاعلان الاميركي بمثابة ترحيب غير مباشر من الولايات المتحدة بهذا «الاسهام» الايراني في الحرب على «داعش»، على رغم تأكيد البنتاغون ان الغارات أجريت من دون اي تنسيق بين الطرفين وان العراقيين وحدهم يقررون في شأن استخدام اي قوة لمجالهم الجوي، بعدما كانت واشنطن استبعدت ايران من دعوتها الى بناء تحالف دولي ضد التنظيم المتطرف، بسبب ضغوط عربية استندت الى عدم الرغبة في إفادة نظام بشار الاسد من الحرب على «داعش». وجاء الاعلان الاميركي قبل ساعات من اجتماع عقده امس في بروكسيل وزراء خارجية الدول الستين المشاركة في التحالف، لتقييم نتائج الضربات الجوية في العراق وسورية، والبحث في اجراءات اخرى بينها تجفيف مصادر تمويل المتطرفين. واعتبر ظريف ايضاً ان «العالم لم يعد يدق طبول الحرب» ضد بلاده، علماً انه لم يفعل يوماً، باستثناء التهديدات الكلامية الاسرائيلية التي تخدم اغراضاً اخرى، فيما لجأ الاميركيون والاوروبيون الى العقوبات الاقتصادية لخدمة هدف التفاوض. لكن هل تحتاج العلاقات الاميركية – الايرانية الى صفقة؟
ألم يثبت عملياً أن استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، منذ غزو افغانستان والعراق، تخدم بشكل مباشر اهداف «الجمهورية الاسلامية» وتدعم نفوذها في المنطقة؟
يبدو ان ذلك لا يكفي طهران. فخلال مفاوضات الشهر الماضي، تمسكت بقوة بالاعتراف علناً بدورها في الاقليم واعتبرته شرطاً لاستجابتها الاقتراحات الغربية في شأن ملفها النووي. لكن الاميركيين فضلوا على عادتهم ان لا يتم اعلان هكذا اتفاق، واختاروا الديبلوماسية السرية للتهرب من ضغوط حلفائهم الاقليميين. وعلى عادتهم ايضاً، قبل الايرانيون العرض الاميركي، وهو ليس الاول من نوعه، لكنهم طلبوا من واشنطن خطوات تطمينية تثبت التزامها الاتفاق خلال المهلة المحددة لانجاز الملف النووي، وهو ما اتضح في سلسلة تصريحات لمسؤولين اميركيين حول عدم استهداف نظام الاسد، وفي رفض واشنطن طلب تركيا اقامة منطقة حظر جوي في شمال سورية، وفي بدء تراجع واشنطن عملياً عن استبعاد ايران من التحالف الدولي ضد «داعش»، بحجة انها تشارك فيه بحكم الأمر الواقع. وبحسب تاريخ العلاقات السرية بين واشنطن وطهران، منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، ستواصل هذه الأخيرة ابتزاز الاميركيين التواقين الى اتفاق معها، معتقدين انه سيقيم توازناً ممسوكاً بشكل افضل في الشرق الاوسط، وستستمر في التلويح بـ «جزرة» استعدادها لإغلاق الملف النووي، للمطالبة بالمزيد من المكاسب، غير مكترثة بتوالي الادارات الاميركية.