يؤكد قطب سياسي انّ الاستحقاق الرئاسي ما يزال يدور في حلقة مفرغة، يتوقع المعنيون به ان تبددها تطورات ما تبرز في لحظة ما يمكن ان تدفع الافرقاء السياسيين الى توافق على انجازه يحظى بتغطية اقليمية ودولية متينة.
ويعوّل هذا القطب ومعه فريق كبير من السياسيين على ان يساعد الحوار المنتظر انطلاقه قريباً بين حزب الله وتيار «المستقبل» في توفير مناخ ايجابي على مستوى العلاقات بين مختلف القوى السياسية وكذلك على مستوى الوضع الامني في البلاد، اذ انّ مجرد حصول هذا الحوار سيؤدي الى تبديد التشنّج المذهبي السائد والمتأتي من تداعيات الازمات الاقليمية على امل ان يهيّىء هذا المناخ الايجابي، اذا تحقق، الارضية الصالحة للتوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.وتتعدد التكهنات حول موعد الانتخاب وتتراوح بين ان يكون «عيدية» اللبنانيين لمناسبة حلول السنة الجديدة وبين ان يتأخر بضعة اشهر، وتحديداً حتى آذار، حيث ستكون المحطة التفاوضية بين ايران مجموعة الدول الخمسة زائداً واحداً في الملف النووي الايراني، وهي المحطة الماقبل النهائية التي ستنعقد في حزيران المقبل لإعلان الاتفاق الشامل على الملف وغيره بين ايران والدول الغربية.
وحتى الآن لم يستقر الرأي بين فريقي 8 و14 آذار على مرشح يشكل قاسماً مشتركاً بينهما وهذا «القاسم المشترك» هو ما يصطلح على تسميته «الرئيس التوافقي». ففريق 14 آذار يطمح لإيصال رئيس الى قصر بعبدا يكون قريباً من خياراته السياسية، وفي المقابل يطمح فريق 8 آذار الى رئيس يكون قريباً من خياراته السياسية ايضاً.
فريق 14 آذار كان قد رشّح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ولكنه اعلن استعداده لسحبه بشرط ان يسحب فريق 8 آذار ترشيح حليفه رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون، ليبدأ الفريقان بعد ذلك البحث عن «رئيس توافقي».
ولكن الواضح انهما لم يصلا بعد الى هذه المرحلة لأنّ اياً منهما لم يفقد الأمل والرهان على أن تؤول التطورات الاقليمية والدولية المتلاحقة الى تغليب خياراته الرئاسية بما يمكنه من النفاذ بمرشح يلتزم هذه الخيارات. وفي هذا السياق لا يبدو عامل الوقت ضاغطاً على ايّ من الفريقين الناظرين المنتظرين لمآل تلك التطورات، فيما يبدو ان الوضع في المنطقة ما زال متفجراً ومفتوحاً على كل الاحتمالات.
على انّ نظرة كل من الفريقين الى الرئيس العتيد تبدو مختلفة، حتى ولو كان هذا الرئيس توافقياً، ففريق 8 آذار من جهته يرى انّ الرئيس العتيد يجب ان يكون واضحا في مواقفه وخياراته ازاء القضايا الوطنية والاستراتيجية، ومنها المقاومة، وان يكون في الوقت نفسه ذا «رُكَب» لأنّ التجربة مع الرئيس ميشال سليمان لم تكن موفقة في هذا المجال «اذ لم يكن واضحاً في مواقفه وخياراته وفي الوقت نفسه لم يكن ذا رُكَب»،على حد قول احد الاقطاب السياسيين، الذي يضيف أن فريق 8 آذار عندما يسقط هذه المواصفات على الواقع فإنه يجد انها تنطبق على قلة من المرشحين ومنهم عون وزعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية.
ولكن المشكلة التي يواجهها فريق 8 آذار أنّ الفريق الآخر لا يقبل بعون ولا بفرنجية وبما يمكن ان يكون بينهما، ما يجعل أمر انجاز الاستحقاق الرئاسي بالغ التعقيد، خصوصاً اذا لم تحصل تدخلات اقليمية ودولية ضاغطة للتقريب بين المتباعدين الذين ضيّعوا فرصاً كثيرة للتقارب بينهما في ما مضى.
ويبدو انّ في الأفق ما يؤشر الى حصول هذه التدخلات المباشرة وغير المباشرة، وفي هذا الاطار يمكن التوقف عن التحركات الديبلوماسية الجارية في اتجاه لبنان عبر وفود وشخصيات اقليمية ودولية بدأت تزوره، وسيكون من بينها المسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية فرنسوا جيرو الذي سيصل الى بيروت في 8 من الشهر الجاري في زيارة تدوم يومين يعود بعدها الى باريس ليسافر منها الى طهران في 15 من هذا الشهر، إذ انه يعمل منذ زمن طويل على خط باريس ـ طهران ـ بيروت ـ الخليج ويتناول في جانب اساسي من حركته شبه المكوكية والمنسّقة على الارجح بين باريس وواشنطن الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
وإذا ثبت بما لا يقبل الشك انّ موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية سيكون بنداً اساسياً في جدول أعمال الحوار بين حزب الله و»المستقبل»، فإنّ بعض المعنيين بهذا الحوار يؤكدون انه يشكّل «ترجمة» للتحولات الاقليمية والدولية الجارية وليس نتيجة ارادة الفريقين المتحاورين فقط، لكنه لن يبحث في أسماء مرشحين وانما سيعمل على إرساء دعائم سياسية يُبنى عليها مع الأفرقاء الآخرين للاتفاق على الرئيس العتيد.
وفي معرض البحث عمّا يجب ان يكون عليه الرئيس العتيد من مواصفات سياسية، يقول أحد السياسيين: «إنّ رئيس الحكومة الاولى للعهد المقبل سيكون من فريق 14 آذار والمرجّح بقوة ان يكون الرئيس سعد الحريري.
لذا، لا ينبغي على هذا الفريق ان يحدد معايير رئيس الجمهورية العتيد إذ لا يصحّ ان يكون رئيسا الجمهورية والحكومة في هذه الحال من الفريق نفسه، وانما يجب ان يكون الرئيس حَكَماً فعلياً بين الفريقين، خياراته وطنية خالصة يلتقي حولها الجميع ولا ينحاز الى أحد».