تعيش زحلة والقرى الواقعة شرقها هاجس تمدد "داعش" وخلاياه "النائمة". هاجس فرض على محازبي مختلف القوى السياسية العمل معاً، ولو من دون قرار مركزي، لصدّ الخطر عن "الخاصرة الرخوة".

 

"ما متت ما شفت مين مات؟"، يسأل أحد سكان قرى شرق مدينة زحلة الذين يقضّ تمدّد "الأخطبوط الداعشي" مضاجعهم، ما حدا بعدد من أبناء هذه البلدات الى تشكيل مجموعات تتناوب على الحراسة. يجمع هؤلاء على الخشية من أن يصيبهم ما أصاب مسيحيي العراق وايزيدييه، لكنهم ينقسمون بين من يخشى من أن تشكّل مواقع "القيادة العامة" التابعة لأحمد جبريل ومراكز حزب الله في جرود قوسايا ودير الغزال ورعيت عنصراً استفزازياً للارهابيين، واستجراراً لتنظيم "داعش" في القلمون الى هذه البقعة الجغرافية، وبين من يرى في هذه المواقع حماية من الخطر التكفيري الذي يفتش عن ثغرة بعد سد منافذ امداده في عرسال، ومحاولة ربط القلمون بجبل الشيخ.

 

"هنا خاصرة دمشق الرخوة"، يقول مسؤول في أحد احزاب 8 آذار في بلدة قوسايا. "الرخاوة" في هذه المنطقة التي لا تبعد أكثر من 20 كيلومتراً عن العاصمة السورية تتأتى من "مخططات للارهابيين لفتح ثغرة امداد لهم بعد إقفال جرود عرسال عليهم"، لافتاً الى "محاولات عدة تم افشالها للسيطرة على التلال من جهة الزبداني، لكن مواقع القيادة العامة والحزب في جرود قوسايا ودير الغزال وكفرزبد كانت لهم بالمرصاد". ويشير المصدر الى "خلايا ارهابية نائمة في بعض قرى البقاعين الأوسط والغربي". ويوضح: "في مجدل عنجر وفي الصويرة في البقاع الغربي، حتى ضهر الاحمر وجوارها، يتوزع 400 مقاتل من التكفيريين، قسموا الى مجموعات نائمة تنتظر ساعة الصفر للانطلاق، ومهمتها شق ثغرة من وادي عنجر ووصله بالزبداني، وربط منطقة الزبداني بالقلمون".

 

وعلى المقلب الاخر، يؤكد مصدر في "الجيش الحر" لـ "الأخبار" أن الحديث عن معركة للسيطرة على قرى مسيحية لبنانية، "ليس الا ذرّاً للرماد في العيون. معركتنا داخل سوريا، ومع النظام السوري، وأي كلام مغاير ليس الا مساعدة للنظام على خلق فجوة بيننا وبين اللبنانيين". وأوضح أن "الجيش الحر"، بعد "الدعم الذي وصله أخيراً، بدأ العمل على خطة في منطقة القصير ويبرود لإعادة استقطاب عناصره التي لجأت الى داعش بسبب وقف الدعم مع بداية ظهور هذا التنظيم". وأشار المصدر الى أن رئيس المجلس العسكري لـ "الحر" العقيد عبدالله الرفاعي الذي اعتقله الجيش اللبناني قبل أيام على أحد حواجزه في عرسال قبل أن يأمر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر بإطلاقه وتسليمه الى الامن العام، "كانت احدى مهماته في جرود عرسال كبح تمدد داعش في القلمون.

 

"هذه الاستراتيجية بدأت تجدي ثمارها"، كاشفاً ان "الحر" تمكّن من "سحب نحو 700 مقاتل من جرود عرسال الى جبل الشيخ، على مراحل، عبر شبعا".

 

في بلدة قوسايا، يستطلع نديم الذي يقوم بأعمال الحراسة الليلية مع عدد من شبان البلدة، عبر اللاسلكي، أمر سيارة غريبة دخلت البلدة. يأتيه الجواب بأنها في زيارة لأحد المنازل المعروفة. يقول: "لا نُشعر اي شخص بأنه مراقب، ولا نظهر سلاحنا لأي كان". المهمة، بحسب نديم "متابعة اية حركة مريبة، وفي حال الاشتباه بأي شخص نبلغ مخابرات الجيش والقوى الامنية، وهي تتولى امره". يرفض وصف عملهم بـ "الأمن الذاتي"، ويقول: "واجبنا وطني. بيننا القواتي والشيوعي والعوني والقومي، ومهمتنا الاستطلاع الاستباقي، وتوخي الحذر من اي تحرك مشبوه قد يوقع قرانا في فخ التكفيريين الارهابيين".

عند مدخل موقع القيادة العامة في حشمش، بين دير الغزال ورياق وقوسايا، تبدو العناصر في جهوزية كاملة وهي تتوزع في محيط التلة، وتسد الطريق الى مدخلها بحاجز مقفل. الأنظار كلها تراقب السلسلة الشرقية. "هذا الموقع قد يكون الهدف الاول للخلايا النائمة، للانطلاق منها الى جرود قوسايا، ما قد يضع المنطقة والجيش في مواجهة مباشرة مع المجموعات التكفيرية"، على حد تعبير أحد مناصري التيار الوطني الحر في قوسايا.

 

لا يخفي نجيب قعدي، وهو يساري عتيق، قلقه من توسع تمدد "الارهابيين" الى منطقته. لكن هذا القلق لم يصل بعد الى حد ترك ابناء هذه القرى بيوتهم، كما قال احد نواب زحلة، "الاهالي باقون، وفي حال حصول اي تعدّ على المنطقة، فنحن مستعدون للدفاع عن اعراضنا وبيوتنا. كل بيت هنا فيه سلاح". يقول إن مواقع القيادة العامة في جرود قوسايا وحشمش ذات أهمية استراتيجية في مواجهة التكفيريين، «إنما الخوف من اي انشقاق داخل هذه المواقع يسهل على الارهابيين اقتحامها والسيطرة عليها كما حصل في أماكن أخرى".

 

حتى محازبو القوات اللبنانية يرون أنه بات "الخطر الداعشي" أكثر أهمية من خطورة السلاح خارج المخيمات. يقول أحد المحازبين لـ "الأخبار": "تحول هذا الخطر الى نقطة تلاق مع حزب الله والنظام السوري"، موضحاً أن القواتيين في المناطق المتاخمة للحدود السورية، "تواصلوا مع حزب الله، وينسقون مع قياداته العسكرية في دير الاحمر وقرى الشرقي". ويؤكّد: "في حال وصلت المعركة الى المسيحيين في هذه المنطقة، لن نقف مكتوفي الايدي. لا تستبعد أن ترانا في غرفة عمليات مشتركة مع الاحزاب الأخرى في المنطقة، بالتنسيق مع الجيش، لرد اي خطر داعشي عن زحلة والقرى المسيحية".

 

(أسامة القادري )