لم تُخالف نتائجُ ما تحقَّقَ في مفاوضات فيينا بين إيران ودوَل (5+1) توقّعاتِ كثيرين. ولعلّ «مخرج» تمديدها الذي كان في الأساس من بين الخيارات المطروحة جدّياً، يُثبت صحّة ما توقّعه عددٌ كبير من المحلّلين بأنّ تلك المفاوضات لن تقود إلى مكان.
هل يمكن الخروج من هذا الطريق المسدود؟
وهل هناك ما يوحي بأنّ صفقةً ما قد تمّ التوصّل إليها مكّنَت الأطراف من القبول بخيار تمديد المفاوضات سبعة أشهر إضافية؟
كان لافتاً في الأيام الماضية العودة إلى لغة سياسية في الخطاب الرسمي الأميركي، وفي ما يُعرف بمراكز البحث، تُشدّد على ضرورة وَعي حدود ما يمكن إنجازه مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
فالرهان على إحداث خَرق يُعيد إيران إلى حاضنة المجتمع الدولي كدولة «أمة»، لها ما لها وعليها ما عليها، يبدو أنّه سقط بعدما تبيّنَ أنّ خيار التصالح مع الغرب يعني تخلّي النظام الإيراني عن أسباب وجوده وجوهره.
هكذا خَلُصت أوساط أميركية الى وصف ما حدث، في الوقت الذي تشير تقديرات عدة إلى أنّ إدارة الرئيس باراك اوباما مضطرّة لإعادة النظر في سُبل إمساكها بهذا الملف وبغيره من الملفات المرتبطة به موضوعياً.
وفي هذا السياق، عبّرَت تلك الأوساط عن خشيتها من أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً خطيراً في الملفات الإقليمية، إنطلاقاً من قراءات يعتبر بعضُها أنّ الفرصة متاحة في لحظة عدم «اليقين» التي تعيشها الإدارة الأميركية من الآن وحتى نهاية عهد أوباما.
ورأت تلك الأوساط في التصعيد المتجدّد في كلّ من ساحات العراق وسوريا واليمن، محاولةً من إيران لتصعيد شروطها السياسية في الإقليم، عبر العودة إلى ما يشبه المربّع الأوّل.
هكذا يُنظَر الى خطاب التهنئة الذي أرسله رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى وحدات الجيش والميليشيات الشيعية على ما أنجزَته في استعادة مناطق من سيطرة «داعش»، مُغفِلاً الإشارة إلى دور «البشمركة» الأساسي في تلك المواجهات.
وهكذا يُنظَر الى عودة التشنّج في الخطاب السياسي العراقي، سواءٌ مع الداخل أو نحو الخارج، وإلى محاولات التلاعب حتى ضمن المكوّن الكردي نفسه، عبر ارتفاع حدّة التوتّر بين قيادة الإقليم وحزب الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، الذي تكشف معلومات عن مدّ جماعته علاقاتٍ مريبة مع «داعش»، خصوصاً في ميدان التبادل التجاري والخدمي!
وهكذا يُنظَر أيضاً إلى الهجوم على مقرّ «آل الأحمر» في العاصمة اليمنية صنعاء، ما أطاحَ إمكانَ الوصول إلى تسوية تُلملم الوضعَ اليمني مجدّداً، وإلى التصعيد العسكري للنظام السوري على مناطق الرقّة وغيرها من مدن الشمال السوري حتى ولو كانت «داعش» هي المستهدَف الرسمي.
يقول أحد المسؤولين الأميركيين «إنّ ما يجري هو لعبٌ بالنار التي قد تحرق أصابعَ كثيرين، نظراً إلى الانعكاسات المرتقَبة، خصوصاً أنّ المضيّ في هذا النهج لا بدّ من أن يطيح بإنجازات كثيرة تحَقّقت في الأشهر الماضية في الحرب على «داعش».
ويؤكّد أنّ «من الخطأ الاعتقاد بأنّ إيران يمكنها أن تحقّق، أو أن تنال في المنطقة ما عجزَت عنه روسيا، حتى حين كانت اتّحاداً سوفياتياً، فيما هي عاجزة اليوم عن حَلّ أزمة أوكرانيا، في وقتٍ تتزايَد الضغوط الدولية عليها، ما قد يهدّد بإعادتها إلى الوراء وعلى الصُعد كافّة لسنوات عدة».
إنسدادُ الأفق يبدو أنّه سيّد الموقف لفترة طويلة مع احتدام المواجهات الإقليمية ونزاع النفوذ والأحجام، فيما المنطقة متّجهة نحو مزيد من التفكّك والاستقطاب بين قواها المذهبية، ما قد يفرض على الأميركيين التحَلّي بكثير من ضبط النفس، في ظلّ انعدام البدائل.
وتحذّر الأوساط الأميركية أخيراً «من أنّ انسدادَ أفُق الحلّ السياسي قد يقود إلى عودة التوتّر على الساحة اللبنانية أيضاً، لأسباب ليس أقلّها محاولة خلط الأوراق وتوفير متنفّس، إمّا لحَرفِ الأنظار أو لزيادة وتيرة الضغوط الإقليمية، على رغم أنّ التقديرات لا تشير إلى مصلحةٍ إيرانية لتوتير الحدود اللبنانية مع إسرائيل».
بقلم : جاد يوسف