حين أعلن وزير الصحّة العامة وائل أبو فاعور «لائحة الفساد الغذائي» استغرب أحد الديبلوماسيين الغربيين ردّة فعل بعض المستهلكين التي نقلها الإعلام. وقد ظهروا غير مبالين بما تمّ فضحه، على اعتبار أن الأمر معلوم ومكشوف ولو لم يكن مشاراً إليه بالإصبع من قبل.
واستغرب الديبلوماسي أكثر حين أعلنوا أنهم لن يبدّلوا في عاداتهم الخاصة بالتسوّق، معتبرين أن «الدولة» لم تقم بفحص المحال والسوبرماركات والمطاعم والمقاهي... فكيف السبيل إلى التأكد من جودة ما تقدّم؟ وقد علّق الديبلوماسي أمام أحد السياسيين قائلاً: «كنت أعلم أن ثقة الشعب بالنظام ضعيفة ولكن ليس إلى هذه الدرجة. كيف يمكن للمواطن إذاً أن يثق بما يعرض ويباع له؟».
وتشير أكثر من جهة مختصّة إلى أنه لا يمكن للمستهلك أن يؤدي دوراً كبيراً في عملية مكافحة الفساد الغذائي، أو بالأحرى في عملية ضمان السلامة والأمن الغذائي.
يلفت رئيس قسم التغذية التابع لكليّة الزراعة في «الجامعة اللبنانية» الدكتور علي إسماعيل إلى أن المستهلك لا يمكن أن يحلّ مكان الدولة وأجهزة الرقابة التابعة لها، «فواجبه في دول العالم يقتصر على الشراء والنقل والحفظ والطهي بطرق سليمة، لا تلوث ما يجب أن يكون، حكماً، نظيفاً في المتجر أو السوبرماركت».
لأن بيع الغذاء الآمن للمستهلك هو من مسؤولية الدولة أولاً. وفي رأيه أقصى ما يمكن أن يقوم به المستهلك قبل الشراء من أي متجر هو التأكد من النظافة العامة، سواء الخاصة بالمكان أم ببرادات الحفظ، أم بالنظافة الشخصية للعمال، إضافة إلى التأكد من أن عملية التبريد جيّدة ومناسبة للمواد التي ينوي شراؤها.
في المقابل، هناك إرشادات يجب أن تتحول إلى عادات لدى المستهلك للحفاظ على سلامة غذائه. يؤكد إسماعيل أن هناك عادات تسوّق يجب اتباعها دائماً داخل المتاجر، مثل شراء الأطعمة والأغذية غير المبرّدة أولاً ومن ثم الخضار، على أن يتم شراء اللحوم والأسماك أخيراً كي لا تبقى خارج التبريد فترة طويلة.
ويوضح الباحث أن اللحوم والأسماك والدجاج والألبان والأجبان، تشكّل بيئة مناسبة لتكاثر الجراثيم، لذلك وجب التعامل معها بحذر ودقّة والتنبّه إلى درجة التبريد المفروضة لحفظها. ويشرح أن «لون المنتج في المتجر لا يمكن أن يشكّل إشارة إلى جودته لأنه بفضل التكنولوجيا الحديثة يمكن تحويل قطعة لحم من لون معيّن إلى لون آخر». وينصح بشراء اللحوم من متاجر تحترم التبريد ولا تعلّقها على أبوابها، مضيفاً أن «المستهلك يفضل اللحوم المستخرجة من حيوانات تذبح أمامه كي تكون طازجة.
لكنّه في الواقع يغفل واقع ذبحها على أرض غير نظيفة أو بسكاكين ملوّثة، وغيرها من المسائل، التي تفعّل تكاثر الجراثيم في داخلها». وينبّه إلى أن المتاجر التي تحترم قواعد التبريد، لا بدّ أن تظهر لزبائنها درجات الحرارة التي تحفظ فيها بضائعها.
وإذ يجزم إسماعيل أن المستهلك لا يمكن أن يؤدي دور المراقب سواء في حفظ أو نقل أو طريقة ذبح اللحوم والدجاج، إلا أنه مسؤول عن مراعاة أصول حفظها وطهيها في بيته، شأنها شأن مواد أخرى.
قواعد السلامة «هناك قواعد للسلامة العامة»، يقول، تنطلق من مبدأ أساسي هو النظافة الشخصية قبل التداول بأي منتج، ومن ثم فصل النيّ عن المطبوخ «بمعنى عدم استخدام السكين نفسه في قطع اللحوم والخضار لأن الجراثيم التي تحملها اللحوم من الممكن أن تنتقل إلى الخضار».
وإلى استخدام مياه نظيفة وأدوات للطهي نظيفة، يشدّد الباحث على ضرورة حفظ اللحوم والدجاج في الثلاجة إذا أريد استعمالها في وقت لاحق «على أن تنقل من الثلاجة إلى البراد لتذويب الثلج قبل طهيها تخفيفاً من تكاثر الجراثيم في داخلها».
وهو يوضح أن درجة طهي تفوق السبعين درجة ولوقت غير قصير، من شأنها قتل تلك الجراثيم «لكنّها في المقابل لا يمكن أن تقتل السمّ الذي يمكن أن تكون الجرثومة قد أفرزته قبل الطهي». بينما يحذّر من حفظ الأسماك في الثلاجة لوقت طويل «لأن فيها زيوتاً تتأكسد»، مفضلاً استخدامها فور شرائها.
وتُتبع القواعد نفسها في طريقة حفظ واستخدام الألبان والأجبان، في اللحوم، وذلك بعد التأكد من تاريخ الصلاحية. لكنّ الباحث يوصي بالتنبّه إلى الأجبان المكشوفة والتي تحفظ في مياه مالحة، لأن نسبة تعرّضها للجراثيم أكبر من تلك المغلفة، خصوصاً «إذا كانت نسبة الملوحة في ماء الحفظ أقل من 20 في المئة، وإذا لم يتم تغيير تلك المياه يوميا، وإذا أضيفت المنتجات الجديدة منها إلى تلك القديمة».
ويعتبر البيض من المنتجات الحيوانية الدقيقة، التي يجب أن تحفظ في المتاجر في أماكن مبرّدة. ويكون على المستهلك التأكد من عدم وجود التشققات فيها إذ تعرّضها للجراثيم. وينبّه إسماعيل من غسلها قبل حفظها في البراد، «لأن المياه يمكن أن تعرّضها أيضاً للجراثيم، وبالتالي يكون من الأفضل غسلها قبل طهيها مباشرة».
ومثل البيض يجب أن تنتقى الخضار والفاكهة من دون خدوش أو تشققات لمنع دخول الجراثيم إليها، ومن الأفضل أن يكون عنقها موجوداً، كما الحال عند انتقاء التفاح أو البندورة، «لأن العنق يحافظ على جودة الثمرة»، وفق الباحث. وعلى عكس الشائع، يعتبر أن غسل الخضار بمياه فاترة كاف، وبالقليل من الصابون.
ويلفت إلى أن «نقع الخضار بالخلّ لا يجدي نفعاً إلا في حال استخدام كميّة كبيرة منه». ويؤكد أن شكل الفاكهة والخضار لا دلالة له من الناحية العلمية، لا سيما في ما خصّ نسبة المبيدات فيها. كذلك، على عكس الشائع يرى إسماعيل أن المعلّبات آمنة ما دامت العلبة التي تحويها غير مثقوبة أو ملتوية، وغير منتفخة «فهي غير مشبّعة بالمواد الحافظة كما يظنّ البعض بل هي محفوظة بمياه معقّمة».
وهذا شرط أن يتم استخدامها، كما العصائر، في غضون يومين. ويشير إلى أن استخدام الخضار المثلّجة آمن أيضاً إذا تمت المحافظة على درجة تبريدها، لافتاً إلى أن «خصائصها الغذائية أعلى من تلك الموجودة في الخضار المعلّبة». ترتيب الأطعمة في البرّاد يوصي الدكتور علي إسماعيل بضرورة تنظيف برّاد المنزل مرّة في الشهر على الأقل بالماء والصابون.
ويشير إلى ضرورة وضع الأطعمة فيه وفق الرسومات التي بداخله. ويوضح أنه مهما اختلف تصميم البرّاد (أكانت الثلاجة في أسفله أو في أعلاه)، يجب أن تحفظ الخضار والفاكهة في درجيه السفليين، على درجة حرارة 4 أو 5 درجات والأسماك واللحوم والدجاج النيّ في الطبقة السفلى (إذا أريد استخدامها سريعاً) وغيرها من المنتجات الحساسة كالكريما.
ويعلوها المنتجات المطبوخة، على أن تأتي في أعلى البراد منتجات اللبن واللبنة.
بينما يوضع في باب البرّاد المياه، والبيض والزبدة.
وينبّه إلى أهمية تغليف المواد والأطعمة وفصلها بعضها عن بعض، على أن يتم التخلّص من الأطعمة المطبوخة بعد يومين من طهيها.
تنفيذ القانون أعلن وزير الاقتصاد آلان حكيم أننا «لن ننتظر صدور قانون سلامة الغذاء في مجلس النواب وسنقوم بتنفيذ بنود القانون المتعلق بسلامة الغذاء بصلاحيات الحكومة».
وكشف إثر اجتماع عُقد برئاسة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، أنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة تنسيقية تقنية بين وزارات الصحة والاقتصاد والزراعة والسياحة والبيئة لمتابعة سلامة الغذاء والاستهلاك اليومي.
وأوضح إثر اجتماع عُقد برئاسة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، أن الوزرارات ستُنسق في ما بينها، ولا سيما في موضوع منبع الاستهلاك، أي بين وزارتي الزراعة والصناعة وصولاً إلى حماية المستهلك، وهي من اختصاص وزارات الصحة والسياحة والاقتصاد.
حضر الاجتماع وزراء الصحة وائل أبو فاعور، السياحة ميشال فرعون، الزراعة أكرم شهيب والبيئة محمد المشنوق.