في الحلقتين السابقتين استعرضنا المؤسسات والمواقع الالكترونية والجهات الناشطة في الوسط الاسلامي الشيعي والافكار والاطروحات والمفاهيم التي تسعى لتقديمها في اطار اطلاق حوار موسع داخل البيئة الشيعية ولدى الاوساط الاسلامية واللبنانية والعربية واشرنا الى الروح النقدية والجريئة السائدة في هذه الاوساط رغم وجود اطراف حزبية وسياسية قوية مؤثرة في هذه البيئة.
لكن يبقى السؤال الاخير في اطار الحديث عن هذا الحراك والذي سنحاول الاطلالة عليه في هذا المقال الاخير من هذه السلسلة: هل هناك شركاء مستعدون لملاقاة هذا الحراك الشيعي سواءا على المستوى الاسلامي او المسيحي او العلماني او على الصعيدين اللبناني و العربي؟ وكيف يتبلور التعاون والتفاعل بين هذا الحراك الشيعي وبقية مكونات الوطن؟
ان من يستعرض الانشطة الفكرية والحوارية على الصعيد اللبناني وفي الاوساط الاسلامية والمسيحية والعلمانية ، يلحظ وجود العديد من المؤسسات الناشطة في هذا الاطار وهي تسعى لاثارة النقاشات والحوارات المتعددة حول مختلف التحديات الفكرية والدينية والاجتماعية، ولا يمكن ان نستعرض كل هذه المؤسسات والانشطة وان كان يمكن الاشارة الى بعض النماذج كمثال، ومنها مركز عصام فارس والمركز الكاثوليكي للاعلام والحركة الثقافية في انطلياس ومنتدى الفكر التقدمي والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي ودار الندوة والمركز الماروني للدراسات ولجنة الدراسات في التيار الوطني الحر وحلقة التنمية للحوار في مجدليون ومركز دراسات الوحدة العربية ومركز الزيتونة للدراسات والرابطة الثقافية في طرابلس ودار العلم والعلماء في طرابلس ورابطة كمال جنبلاط الثقافية والمنتديات الثقافية في صور والتجمع اللبناني المدني وجامعة القديس يوسف وخصوصا كلية العلوم الدينية ومعهد الدراسات الاسلامية –المسيحية في الجامعة والحركة الثقافية الناشطة في العديد من المناطق وغيرها من المؤسسات الفكرية والثقافية. وهناك تجارب مهمة لعبت دورا فاعلا في الحوار على مستوى لبنان والعالم العربي سابقا لكنها تراجعت مثل الفريق العربي الاسلامي-المسيحي ومجلس كنائس الشرق الاوسط او انتهت مثل اللقاء اللبناني للحوار.
وقد سعت هذه المؤسسات وغيرها لاطلاق حوارات ونقاشات مختلفة حول العديد من الموضوعات وخصوصا حول العنف الديني والتطرف وتجربة الاسلام السياسي. لكن الملاحظ ان الاطراف الاسلامية الفاعلة وخصوصا في الساحة السنية تغيب عن هذه الحوارات والنقاشات باستثناء بعض المشاركات الرمزية وبعض النشاطات التي يقيمها دار العلم والعلماء في طرابلس، فنحن لا نلحظ وجود حراك فكري وديني في الاوساط الاسلامية الحركية ولا نجد ان هناك تعاون حقيقي بين الاطراف الاسلامية الفاعلة من اجل فتح نقاش جدي حول الاوضاع الاسلامية.
وقد حصلت بعض المحاولات الخجولة لاقامة انشطة متنوعة ومشتركة بين بعض المؤسسات الاسلامية الفكرية والسياسية ولكن التجربة لم تستكمل ولم يتم انتاج افكار مشتركة.
اما على صعيد بعض الاطراف السياسية اللبنانية فهي تحاول الانفتاح والتقارب مع بعض الاوساط الشيعية المستقلة لايجاد "خرق ما" في الواقع الشيعي ولكن هذا التقارب لم يتحول الى نقاش جدي ولم يشرك الاطراف الفاعلة في الاوساط الشيعية.
اذن نحن امام ازمة تواصل وحوار واذا لم يتم التفاعل الكامل والحقيقي بين الحراك الفكري الشيعي وبقية الاطراف السياسية والثقافية وخصوصا مع الجهات والقوى الاسلامية الفاعلة في الساحة السنية ، اضافة للتعاون مع الهيئات المسيحية والعلمانية فأن هذا الحراك سيبقى في اطار المونولوغ الداخلي.
طبعا هناك مبادرات جدية وحقيقية لاطلاق نقاش شامل وموسع مثل تجربة مؤسسة اديان ومركز عصام فارس وملتقى الاديان والثقافات ولقاء تعارفوا وتجربة كلية العلوم الدينية ومعهد الدراسات الاسلامية-المسيحية في الجامعة اليسوعية وبعض التجارب الاخرى التي تستحق التنويه ولكن حتى الان لا تزال بعض هذه الحوارات تدور في حلقات مفرغة ولا سيما في ظل غياب الاطراف الاسلامية الناشطة على الارض كالتيارات الاسلامية والسلفية على اختلاف اتجاهاتها وكذلك لعدم القدرة على اجراء نقاش نقدي صريح وكامل لكل التراث الفكري الديني والذي يتحمل مسؤولية كبيرة عن كل هذا العنف والصراعات الدائرة في المنطقة اليوم.
قاسم قصير