هزَّ انفجارٌ وسط أربيل، فاهتزّت المشاعرُ في بيروت. ألوفٌ من اللبنانيين هناك، مئات الملايين من الدولارات تُستثمَر في مشاريع سياحيّة وخدماتيّة. إنّها المغامرة التي فرضَتها الحاجة والضرورة، والطموح المبلّل بعرقِ الجبين بحثاً عن فرصةِ عملٍ، ومسيرةِ نجاح.
زار رئيس الحكومة تمّام سلام دولة الإمارات، فاحتضنَه اللبنانيون، وعاد بانطباع جيّد، الجالية بألف خير. القادمون من السعودية هذه الأيام يحملون معهم «أخباراً حلوة»: قمّة المصالحة التي استضافتها الرياض كانت ضرورةً ملِحّة، فأيّ تعَثّر أو توتّر في العلاقات الخليجيّة يتأثر به المقاول والمستثمر، خصوصاً أنّ الوترَ الطائفي والمذهبي مشدودٌ في أكثر من عاصمة، ودولة.مردودات الاغتراب تفرض عنايةً خاصة من جانب المعنيّين، وتشكّل رقماً في تحقيق التوازن المالي الاقتصادي المعيشي. ما بين 5 إلى 7 مليارات دولار سنويّاً، هذا ليس بقليل، والرقم يشكّل عنصرَ اطمئنان في زمن الاهتزازات الأمنيّة، والوطنيّة، والأخلاقيّة.
عائلاتٌ تنتظر نهاية كلّ شهر رقمَ التحويل على رقم الحساب. كثيرون ينتظرون ضوءاً أخضر من متعهّد، أو مسؤول شركة للالتحاق كسباً للقمةِ العيش. بلدٌ يسعى الى إطعام مليونين من النازحين الطارئين عشوائياً، وخارج أيّ سياق قانوني، وبلا احتياط ماليّ، أو موازنة طوارئ، دفعَ ويدفع بالمقيم إلى النزوح.
هناك مشكلة اقتصاديّة حقيقية، هناك تغيير ديموغرافي، هناك تبَدُّل واضح في مزاج البلد، وبيئته الاجتماعيّة الثقافيّة تُنبئ بتداعيات خطيرة، ومستقبل غامض، و»تتستر» دائماً وأبداً بالحالة الأمنيّة، أو الطائفيّة، أو المذهبيّة، والآن بجلباب الفساد.
على هامش كلّ هذه الضوضاء، هناك في صفوف الاقتصادييّن ورجال الأعمال مَن يتحرّك بصمتٍ لحماية الانتشار اللبناني في إفريقيا ودوَل الخليج، نظراً لِما يشكّل من حاجةٍ ملِحّة وحيويّة في هذا الظرف المصيري الذي يجتازه لبنان ودوَل المنطقة.
والتحدّيات ليست سهلة، ولم تعُد مقتصرة على التأقلم مع البيئة الجديدة، كما كان الحال أيام زمان، بل أصبحَت من إفرازات الأزمة الاقتصادية العالمية وارتداداتها على العلاقات الدولية، وما بين القوى النافذة المقتدرة، ومجتمعات العالم الثالث المستغلّ في أكثر من مجال، وعلى أكثر من صعيد، وقد دخلت الآلة والخبرة في سوق المنافسة، وأيضاً مشاريع التسلّط والاحتكار، والبرجوازية الجديدة التي تحاول أخذَ المجتمعات الى حيث تريد، وتعمل على تطبيعها وفق معاييرها وثقافاتها، بدلاً من أن تتفاعل معها، وتنسجم مع سلوكياتها.
من التحدّيات التي تشغلُ بعضَ الكواليس، انخفاضُ أسعار النفط، وانكبابُ الدوَل النفطيّة، خصوصاً الخليجيّة على درس الأبعاد والانعكاسات. أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، دعا الحكومة ومجلس الأمّة إلى اعتماد سياسة شدّ الأحزمة. المملكة العربيّة السعوديّة لا تزال تُوازن ما بين حاجتها إلى العملة الصعبة، ومخزونها النفطي لجهة زيادة الضخّ في الأسواق، أو تقنينه.
حركة المشاريع أصِيبت ببعض العوارض، ولكنّها لا تزال سطحية. الالتزامات والتعهّدات أيضاً، وهذا ما ينعكس سلباً على الأداء العام، والدورة الاقتصاديّة، ويتأثّر بها المغترب اللبناني، سواءٌ أكان عاملاً أو شريكاً لربّ العمل.
التحالف الدولي جاء بمعايير جديدة يفرضها على دوَل المنطقة، وتحديداً دوَل مجلس التعاون تحت شعار مكافحة الإرهاب. ويتمثّل الوجه القبيح والشره في تشريحه للمجتمعات انطلاقاً من لوائح الإرهاب التي تطول بالتسميات المكوّناتِ الأساسية من عائلات وبيئات وعشائر تدعم، أو تؤازر، أو تتعاطف. وجاء أيضاً بحرب اقتصاديّة مقنَّعة.
لا يكفي أن تدفع الدوَل الخليجيّة المتحالفة فاتورة الطلعات الجوّية، ومصانع الأسلحة والذخيرة، بل عليها، وفي ظلّ انخفاض أسعار النفط، أن تطبّق سياسة ماليّة جديدة تتطابق والمعايير الاقتصاديّة التي جاء بها التحالف ليطبّقها تحت شعار مستلزمات الحرب على الإرهاب».
كانت على الطاولة التي تحَلَّق حولها قادةُ دوَل مجلس التعاون في الرياض ورقةٌ عن الحرب الاقتصاديّة على دوَل المنطقة، تحت شعار الحرب على الإرهاب.
وهذه الورقة تحديداً هي التي دفعَت بالقادة إلى تجاوز خلافاتهم مع قطر، وشدِّ عصبِ وحدتهم واتّحادهم، وفتحِ كلّ قنوات التنسيق والتشاور حيال كلّ المستجدّات، بعد إشارات وردَت، وتمّ التأكّد من صحّتها من أنّ الحرب المعلنة ليست ضدّ «داعش» فقط، بل وأيضاً ضدّ الدوَل التي حضنَت «داعش» فكراً، ونهجاً، وعقيدةً، وتسليحاً، وتمويلاً، وانتشاراً.
وبعد... مِن حقّ الجميع أن يقلق، بما في ذلك لبنان الذي يعوّل على انتشاره لتحقيق كثير من التوازن المالي، الاقتصادي، الاجتماعي المعيشي، خصوصاً أنّ المداخيل الخارجيّة قد أصبحَت بدورها تحت رقابة أميركية صارمة.