جاءت حملة وزير الصحة وائل أبو فاعور لكشف بعض أوجه الفساد في القطاع الصحي، لتفضح في الحقيقة الطبقة السياسية وتعري بعض أصحاب المصالح الكبرى الذين شكلوا حاضنة هذا الفساد المستشري والمتجذر عميقاً في جسم الدولة وفي الجسم الاقتصادي الذي طالما شكل الرافعة للتعويض عن تقصير الدولة.
وقد اتضح دون مواربة أو جدل، أن هناك مافيا قائمة في الوزرات والمؤسسات، تتواطأ وتتعاون مع بعض الذين قرروا احتراف الغش والاحتيال والإضرار بالناس.
ومع تواصل حملة الوزير أبو فاعور لتشمل كل المناطق والفئات والقطاعات، تنحسر مواقف البعض الذين حاولوا اللعب على وتر المناطقية، حيث قيل إن ما يجري إنما يستهدف هذه المدينة، أو تلك المنطقة، لكن شمول الحملة كما حصل حتى الآن، أسقط الكثير من محاولات التملص من المسؤولية.
واللافت في هذه الأصوات أنها ذهبت لاستجداء التعاطف المحلي، دون أن تتمكن من تكذيب واقعة فساد الأصناف التي أعلن الوزير أبو فاعور عدم مطابقتها للمواصفات.. بمعنى أنها هربت من المعالجة الموضوعية إلى الاشتباك حول الشكل في إعلان الوزير أبو فاعور عن المؤسسات والأقسام التي يشوب علمها وموادها الفساد..
وفي نظرة هادئة إلى مجريات الحملة "الفاعورية" حتى الآن، نجد أنها حققت جملة إنجازات موصوفة، يمكن إجمالها بالآتي:
ــ انتشار الهلع في صفوف المؤسسات المهملة والمتراخية في الحفاظ على سلامة الغذاء، بحيث بات الجميع يتحسس رأسه، ويسعى بكل جهده كي لا تطاله القائمة السوداء التي أشهرها الوزير في وجه من تورط في جرم تاريخي يطال الناس في صحتهم ومستقبلهم، حيث كانت كلمات الوزير أبو فاعور بمثابة ضربة مفاجئة لم تتح لأحد الاستعداد لها أو توقع وسائل الاحتياط منها.
ــ انكشاف حقائق معروفة بجزء منها، ومخيفة بأجزاء كثيرة، مثل ما يجري في المسالخ التابعة للدولة، وهي مسالخ قائمة منذ عقود، ولم تغير "عاداتها" في السلوكيات المتبعة، والقائمة على مخالفة أدنى معايير سلامة الغذاء.
ومما يثير الاستغراب والاستهجان هو علم البلديات بأوضاع المسالخ ووجود ما يسمون مراقبين صحيين كانوا يشرفون على إدارة تسميم طعام الناس وعلى هذا المستوى من الوساخة المادية والمعنوية.
ــ سكوت الوزراء السابقين في وزارة الصحة عن حقيقة الفضائح المكتشفة في مجاهل المسالخ والمجمعات التجارية والملاحم الكبرى ومستودعات تخزين اللحوم، وهنا يبدأ التساؤل المتأخر جداً عن دورهم وما فعلوه في عهودهم الوزارية الغابرة لمكافحة هذا المستوى من التسميم المتعمد للشعب اللبناني.
ــ هناك وقائع لا يمكن تجاهلها من حيث طبيعة تكوّن بعض المصالح والأعمال المرتبطة بالغذاء، باتت قائمة على الغش والتحايل.
فهل يعلم اللبنانيون، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن تصنيع القشطة، بالكميات التجارية الكبيرة، لا يمكن تصنيعه إلا من خلال خميرة مكونة من مواد جرثومية، وصفها الوزير أبو فاعور بأنها بقايا براز بشري.. لأن استخلاص القشطة بالطريقة السليمة النظيفة، يكلف أضعاف كلفة الإنتاج التجاري الراهن، والذي على أساسه تـُبنى الأرباح الفاحشة في قطاع صناعة الحلويات..!!
كيف السبيل إلى الخروج من هذا المسلخ الكبير؟؟
لا سبيل إلا باستمرار وائل أبو فاعور في حملته حتى النهاية، وهي طويلة وشاقة، وما على أصحاب المؤسسات النظيفة سوى أن يتبعوا خطوات الشفافية، كما فعل الكثيرون منهم طوعاً لا كرها.. حتى يمكن تحصيل الحد الأدنى من سلامة غذائنا وغذاء أبنائنا.