استعرضنا في المقال السابق عددا من المؤسسات والمواقع الالكترونية والانشطة التي تشهدها الساحة الاسلامية الشيعية في لبنان في اطار استعراض الحراك الشيعي الفكري والاعلامي في هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم العربي والاسلامي تطورات خطيرة ابرزها تصاعد الفتنة المذهبية وانتشار موجة العنف والتطرف الاسلامي.
ومن الواضح ان انتشار هذه المؤسسات ونشاطاتها المتنوعة يؤكد ان الواقع الاسلامي الشيعي الفكري والسياسي والحزبي والشعبي يشعر بخطورة ما يجري والحاجة الى البحث والتفكير بما يجري والبحث عن الحلول المناسبة للازمات التي يواجهها العالم العربي والاسلامي اليوم والتي وصلت الى حد التشكيك بدور الاديان وانتشار الالحاد والتفكك والعصبيات والصراعات المذهبية.
ومن يراقب نشاطات المؤسسات الفكرية والاعلامية في الساحة الشيعية يلحظ اولا وجود حس نقدي قاسي وصريح وهو يتناول كل الافكار والموضوعات والمواقف وهذا ما لا نلحظ وجوده بشكل كبير في الساحات الاخرى.
الملاحظ الثانية على صعيد الحراك الفكري والسياسي حرص المؤسسات الشيعية على الانفتاح على كل التيارات والقوى والحركات الاسلامية ومختلف الاطراف المسيحية والعلمانية، وكان هناك اهتمام كبير بمواكبة التيارات السلفية والجهادية وحركات الاخوان المسلمين والسعي للاستماع الى كل وجهات النظر ودعوة شخصيات سلفية واخوانية ومسيحية وعلمانية للمحاضرة والحوار واللقاء والاستعداد للتعاون مع كل المؤسسات الناشطة في الحقول الفكرية والحوارية.
وثالث الملاحظات سعي المؤسسات الفكرية لفتح النقاش حول التجربة الاسلامية في الحكم وعلاقة الدين بالدولة ومشروع الدولة المدنية ودور المؤسسات والمرجعيات الدينية والدعوة لتقديم افكار جديدة تساهم في تطوير الفكر الاسلامي والفقه الاسلامي لمعالجة المشكلات الطارئة وتقديم مقاربات جديدة لهذه المعالجات.
ورابعا ورغم ان البعض من خارج الساحة الاسلامية يتحدث عن سيطرة حزبية واحادية على الواقع الاسلامي الشيعي فان من يدقّق بما يجري في هذه الساحة وخصوصا على صعيد المؤسسات الفكرية والاعلامية وبعض الاوساط الدينية يلحظ وجود تنوع كبير في الافكار والطروحات وان هناك نقاش مستمر حول كل الاراء ومراجعة شاملة للمواقف وجرأة كبيرة في ما يكتب وينشر ان على صعيد المواقع الالكترونية او الكتب الصادرة وحتى خلال الندوات والنشاطات المتنوعة.
وبالاجمال فان المؤسسات الاسلامية الشيعية حريصة على ارسال رسائل واضحة بالاستعداد للحوار والنقاش والتعاون مع جميع الاطراف وفتح الابواب وبجرأة للنقاش في التاريخ والحاضر والمستقبل.
كما ان هذه المؤسسات وتنوعها تتميز بالحرص على توفير كل اجواء الحوار والنقاش وفتح الباب امام الاراء الاخرى ورغم الظروف السياسية والامنية الصعية على مستوى لبنان والمنطقة واستمرار اجواء الفتنة المذهبية والتحريض والعنف والتطرف فان الحراك الفكري في الساحة الاسلامية الشيعية يؤكد ان الاجواء غير مقفلة وان هناك امكانية كبرى للحوار والنقاش.
لكن السؤال الاهم : هل هناك من يلاقي هذا الحراك في الساحات الاخرى ؟ وهل هناك مؤسسات فكرية واعلامية مسيحية واسلامية مستعدة للتعاون مع هذه المؤسسات للبحث عن خيارات جديدة لانقاذ الواقع العربي والاسلامي من المأزق الذي يواجهه اليوم؟
هذا ما سنحاول الحديث في الحلقة الثالثة والاخيرة من هذه المقالات.
قاسم قصير