الملحقون الإقتصاديّون لدى العديد من البعثات، منهمكون في لوائح التصدير والإستيراد. يدرسون أنواع السلع ومصادرها. يراقبون، يقيّمون، هدفهم تلافي الخطأ قبل فضحه. وزير الصحّة وائل ابو فاعور أطلق كرة الثلج، وبدأت تتدحرج وتكبر، ولا أحد يعرف أين، ومتى، وكيف ستنتهي.
السفراء بدورهم، منشغلون باهتمامات أخرى. ما يقلق بعضهم، أنّ المجلس النيابي قد تمكّن من التمديد لنفسه تحت سقف مقبول من ردود الفعل، لكن ليس من «مجلس» قادر على التمديد للأمن الإجتماعي، ومنع الإنفجار الكبير. بعد التمديد، تفاقم الوضع الأمني: ملف العسكرييّن تتناقله أيد وجهات مختلفة. غرفة العمليات في جرود عرسال، والأهالي في ورطة، فيما الموطن يتقلّب ما بين مدّ وجزر تبعاً لموجات ردود الفعل. بعد التمديد بقيَ الجيش في الميدان يواجه ثقافة التوحش، ويطارد الإرهاب وخفافيش الظلام، لكن مع تحديات جديدة حيث أنّ البعض يدعم الخطة الأمنية، إنما... وهذه الـ«إنما» تخفي وراءها علامات استفهام كثيرة على المضمر من المشاعر والميول والتوجهات. بعد التمديد تحرّكت شياطين الفتنة في بلدة بتدعي البقاعيّة. ما حصل ليس بحادث عادي، أو جريمة فرديّة. والأخطر أنّ ردود الفعل والمعالجات لم تكن حاسمة ورادعة، بل جاءت «ترقيعيّة» لغاية الآن، وهذه لا تقفل الملف بمقدار ما تؤدي الى نَكء جراح كثيرة. لا أحد يتحدّث بعد التمديد عن سبل معالجة السلاح اللاشرعي، وعن ظواهر الإنفلاش والفوضى والتسيّب، لكن بالتأكيد هناك شوارع، ومتفرعات، ومناطق، لا يجرؤ المواطن على اجتيازها بعَيد حلول الظلام لأنها تتحوّل مربعات مقفلة للزعران وشذّاذ الآفاق. بعَيد التمديد، فتح ابو فاعور ملف الأمن الغذائي. المعجبون بأدائه كثر، خصوصاً في صفوف المواطنين، و»يعطيه ألف عافية»، لكن كرة الثلج تكبر، وتكبر معها المخاوف والشكوك والتساؤلات الى أين ستصل؟ ومتى؟ وكيف؟ وهل ستأخذ الجميع في طريقها من مسؤولين ومرتكبين ومتورطين، أم أنها ستصطدم بالحائط المسدود وتتناثر هباء؟ السوابق غير مشجّعة، وهنا مكمن الخطر، لا بل هنا الامتحان الصعب الذي يفترض أن يجتازه الوزير بثقة وشفافيّة وتصميم على وضع الأمور في نصابها. كثيرة هي المرّات التي فتح فيها ملف الأمن الغذائي، وحظيت بضجة واسعة وبتغطيات إعلاميّة مكثّفة، وكانت تنتهي بسحر ساحر، ويبقى الفاجر والتاجر والمرتكب في أفضل حال، ويتمتع بحصانة شخصيّة عالية، فيما ورش الفساد ومصانعه «شغّالة 24/24»، و»يا أرض اشتدّي وما حدا قدّي، طالما أنّ الرشاوي سارحة والرب راعيها؟!». سؤال يُردّده بعض «الخبثاء» من الديبلوماسيّين: هل الأمن الغذائي ظاهرة طارئة على المجتمع، مستقّلة، لا خلفيات لها، أم هي جزء من أخطبوط كبير متمرّس بأرجل عدة متغلغلة في القطاع العام كما في القطاع الخاص، وعند المسؤولين قبل المرؤوسين؟ في لبنان حديث عن تبييض الأموال، لكن ماذا عن تبييض الضمائر؟. ماذا عن الأملاك البحريّة وقصّة «حاميها حراميها؟». ماذا عن الصفقات، والسمسرات، وفلسفة «مَرّر لي حتى أمرّر لك؟». ماذا عن التفلّت من الرسوم والضرائب وموظفي الجباية؟ ماذا عن السرقة، ونهب المال العام بمشاريع صوريّة وهميّة، أو بأخرى لا تتطابق ودفتر الشروط؟ من يحاسب من؟ ومن أهم ممَّن؟ المسؤول الذي يلاحق الفاسد، أم الفاسد الذي يرشي المسؤول؟ بعَيد التمديد، كما قبله، فاضت الطرق، تكوّنت البحيرات والمستنقعات، غرقت السيارات، وتحوّل المواطنون رهائن. بعَيد التمديد، كما قبله، عادت المعزوفة الممجوجة نسمعها من هذا الوزير، او ذاك المسؤول، وتحرّكت الأجهزة القضائية المختصة، و»عادت حليمة لعادتها القديمة. هناك سوابق، هناك تحقيقات، مَن ارتدع؟ مَن دخل السجن؟ مَن أقيل من منصبه نتيجة إهماله؟ مَن تحمّل المسؤوليّة؟ أبشِر! الفساد لم يعد ظاهرة، تحوّل ثقافة في لبنان، نهجاً وأسلوب حياة. و»الآدمي بتروح عليه». بعَيد التمديد، عادت الحركة الى عين التينة، لكن هذه المرّة للتفاهم على قانون انتخاب. دفعتني الحشرية، وسألتُ أحد المشاركين عن الأجواء، فأجابني: منيحة! - وهل من قانون انتخاب سيبصر النور قريباً؟ أجاب ضاحكاً: «أبشِر... مين جَرّب المجرّب كان عقلو مخَرّب».