أعقب تصريحات الزعيم الإيراني هاشمي رفسنجاني، خلال لقائه نخبة عراقية يوم الاثنين الماضي، وتصريحات أخرى خلال لقائه مسؤولين رياضيين، سوء فهم من قبل الإعلام العربي وتهجمات من قبل متشددين في الداخل.
ما ذا يوجد في كلام الشيخ رفسنجاني حتى أثيرت هذا الانتباه والاستياء؟ فالشيخ وفق ما نقل عنه موقع إرنا اشار في لقائه نخبا عراقيين الی الآیة الشریفة «وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ» ،وقال : اننا نسمع هذا الامر الالهی ولا نطبقه والحصیلة هی الاقتتال بین اتباع المذاهب الاسلامیة .
وأكمل رفسنجاني وفسّر ذاك الكلام خلال لقائه مسؤولين من وزارة الرياضة الإيرانية بما يظهر أن كلامه السابق لم يكن عفوياً وغير مدروس، بل إنه يتابع الموضوع، وقال: بعض الاعمال المتطرفة المثیرة للفرقة بین المسلمین أوصلنا من لعن الصحابة الی داعش'.
وأردف رفسنجاني : ان الاعمال المثیره للفرقه بین المسلمین نتیجتها الوصول الی القاعدة وداعش وطالبان وامثال هذه الجماعات. وأضاف: باعتقادی هذا هو ذنب کبیر الذی یحدث ومثل هذه الاعمال تثیر الخلافات بین الامة الاسلامیة لان الامة الاسلامیة التی تعد ملیارا و700 ملیون نسمة و60 دولة مستقلة وبامکانها ان تشکل اکبر قوة فی العالم قد اضعفتها مثل هذه الاعمال امام الدول الاخری .
أما سوء فهم الإعلام العربي يكمن في أنهم اعتبروا أن الشيخ رفسنجاني يتهم النظام الإيراني بإذكاء الفتنة الطائفية عبر تشجيعه لطقوس خرافية من أمثال الاحتفال بقتل الخليفة عمر وما شابه ذلك، إلا أن الحقيقية هي أن هذا النقد يتجه نحو أوساط تقليدية لا تمتلك شعبية كبيرة ولكنها تمتلك إعلاما مدويا، ودعما ماليا من قبل سلفيي الشيعية أو جهات مجهولة تستفيد من إشعال الحرب الطائفية بين السنة والشيعة.
الحقيقة التي يصدقها زعماء أهل السنة في إيران هي أن المرشد الأعلى الإيراني، منذ خمسين عاما كان من دعاة الوحدة الإسلامية، ويعد خامنئي من أكبر من يحترم رموز السنة من بين علماء الشيعة، لدرجة اتُهم بأنه سنيّ أو وهابي! هذا الاتهام المعروف الذي ابتلي به السيد محسن الأمين قبله والسيد محمد حسين فضل الله، بعده.
ومنذ سنوات أصدر خامنئي فتوى بحرمة الإسائة بمقدسات السنة وأمر بإغلاق باب مقام ابو لؤلؤ المزعوم بأنه قاتل عمر بن الخطاب، فهل يمكن تحميل النظام الإيراني ، ما يعارض سلوكه وقناعاته طيلة عقود؟
كلّا، بل هناك تقليديون متشددون ومعارضون للنظام الإيراني، منذ عهد الامام الخميني، يتعمدون على إظهار عدائهم للسنة، اقتصاصاً من النظام الإيراني وليس بدعم من النظام. إنهم يستغلون هذه الفرصة المذهبية ليعلنوا بأنهم ليسوا مع النظام الذي يرونه متعاطفاً مع تابعي غاصبي الخلافة وظالمي أهل البيت، وفقهم.
فيمكن القول بأن تصريحات رفسنجاني كان موجهة لجماعات مذهبية متطرفة تقليدية وربما مدعومة من الأجانب، يتحمل الشيعة أوزار طقوسهم الرخيصة المثيرة للكراهية، إلا أن العمل بهذه الطقوس ضئيلة جداً نظراً لمستوى ثقافة الشعب الإيراني، وحرص مسؤولين سياسيين كبار.
أما في الداخل تعرض الشيخ رفسنجاني لهجوم إعلامي من قبل متشددين، اتهموه بإطلاق تصريحات تصب في مصلحة الأعداء في المنطقة، بينما لم يعد المحاولة لإخفاء الواقع، يجدي نفعاً في ظل ثورة الاتصالات. فيكفي لتشوية سمعة الشيعة أن يقوم رجل بزي علماء الدين، باتهام أم المؤمنين عائشة بالفجور، أو سب الصحابة ويلقي بمسؤولية هذا العمل البذيئ على عاتق جميع الشيعة، أو يكفي بأن يقوم إرهابي محسوب على السنة، باقتحام حسينية في الإحساء وقتل من يحيون ذكرى استشهاد الإمام الحسين، ويلقي بمسؤولية هذه المجزرة على جميع أهل السنة، إلا أن العقلاء يعرفون بأن المتطرفين والمتشددين، إما جهال وإما عملاء للأعداء.