إن معايير تقدّم الأمم والمجتمعات تقاس بنسبة احترام حقوق الإنسان اجتماعياً واقصادياً وسياسياً ومدى تطبيق القوانين. ولا شكّ في أن الأغلبية من المواطنين اللبنانيين هم على دراية بالأمن العسكري إذا جاز القول، ولكن قلة تدرك أن الأمن الغذائي في الدول الراقية له الأولوية في اهتمامات الدول. لذا، فإن ما شهدناه في الايام القليلة الماضية من تجاذبات وردود فعل حول التقارير التي أدلى بها وزير الصحة هو أمر بديهي في بلد لم يعتد المحاسبة والشفافية في سلامة غذائه، ولكن الأكيد إن ما كشفه الوزير من الناحية العلمية للفيروسات والبكتيريا الموجودة في هذه الأطعمة قد دفع اللبنانيين إلى التقصي والاستعلام عن ماهيتها. فإليكم بعض المعلومات حولها.
تذكر منظمة الصحة العالمية أنّ بكتيريا الـ Enterohaemorrhagic E. coli (EHEC) تسببّ مرضاً خطيراً جداً سببه الأغذية. فهي تتواجد في اللحم النيء أو اللحم غير المطهي جيّداً، في الحليب الخام والخضار الملوّث بالبراز. في معظم الأحيان، يزول هذا المرض تلقائياً، ولكن قد يتطوّر في بعض الأحيان ليأخذ منحى مميتاً من خلال متلازمة انحلال الدم اليوريمي خصوصاً لدى الأطفال وكبار السنّ. ومن المعروف أنّ هذه البكتيريا حسّاسة على درجة الحرارة، لذلك، يجب للقضاء عليها، طهي الطعام على حرارة مرتفعة. ومن عوارض الإصابة بها: تقلّص في البطن، إسهال في بعض الأحيان، إضافة إلى الحرارة والتقيّؤ. أمّا بالنسبة إلى بكتيريا السلمونيلاّ، فهي تتوافر لدى الحيوانات الأليفة والبريّة وخصوصاً تلك التي يقتاتها الإنسان كالدواجن والخنازير والماشية. تسببّ هذه البكتيريا مرض الـ salmonellose ، وتختلف حدّة الإصابة به باختلاف نسبة تواجد بكتيريا السلمونيلاّ في الغذاء، وهي في بعض الأحيان مميتة. ومن عوارض هذا المرض: الحمى، تقلّص في البطن، الإسهال، التقيّؤ، الغثيان. ونصل أخيراً إلى بكتيريا المكورة العنقوديّة الذهبية المسؤولة عن أمراض عدة من بينها التسممّ الغذائي. وتتواجد هذه البكتيريا بشكلها الطبيعي على البشرة والأنف بنسبة 25 % - 30%. وتعتبر الأطعمة التي تلمس اليد كالسلطة، البيض، اللحم، الدجاج، التونا، من أبرز الأطعمة التي تحمل هذه الفيروسات. ومن عوارض الإصابة بهذا الفيروس: الغثيان، التقيّؤ، الإسهال، فقدان الشهية، مغص حاد، حمى خفيفة.
وفي حديث لـ "النهار"، يوضح اختصاصي الأمراض الجرثومية الدكتور كلود عفيف أنّ "بكتيريا الـ E. coli موجودة في المصران، في خروج البشر، كما موجودة لدى الحيوانات أيضاً. تنتقل هذه البكتيريا عبر التلوّث الذي يأتي من طريق تحضير الطعام كعدم غسل اليدين الطعام، مثلاً، ممّا يؤدي إلى الإسهال وآلام البطن". ويذكر عفيف أنّ هذه العوارض هي الخفيفة منها، أمّا في ما يتعلّق بالعوارض القوية فقد يعاني المريض من "إسهال، وجع في البطن بالإضافة إلى ظهور دم في الخروج، نزيف بالمصران، توقف عمل الكلى، فقر دم وقد يودي إلى الموت". أمّا بالنسبة إلى باكتيريا السلمونيلا، فهي تتواجد بحسب عفيف "في الدجاج والبيض وتنتقل عبر الأكل إن كان غير مطبوخ كالبيض النيء، مثلاً، ممّا يؤدي إلى الحرارة، الإسهال، وقد يقود إلى جفاف الجسم. هذا فضلاً عن التيفوئيد الموجود لدى الإنسان فقط والمسؤولة عنه هذه البكتيريا. يصاب به الفرد إن طبخ طعامه بعد خروحه من الحمام من دون غسل يديه. ممّا يؤدي بالتالي إلى الحرارة، فقر الدم، وفي حال لم يتمّ علاجه، يصبح هناك اشتباكات صحية قد تتكلل في الدخول إلى المستشفى". وختاماً، يوضح عفيف أنّ البكتيريا العنقودية الذهبية ناجمة من الطعام وتنتقل من الحشرات واليدين. تفرز هذه البكتيريا مادة سامة نأكلها وتسبب الإسهال، التقيّؤ والغثيان". أمّا في ما يتعلّق بمسألة الوقاية، ينصح الدكتور كلود عفيف "بالمحافظة على النظافة، بغسل اليدين قبل الطبخ، حفظ المأكولات بطريقة صحيحة، عدم ترك الأكل مكشوفاً، وضع كفوف، عدم وضع المأكولات التي قد تحتوي على أيّ من هذه البكتيريا مع مأكولات أخرى غير مصابة بها، الانتباه إلى طريقة الطبخ والذبح، الطبخ على حرارة عالية، والامتناع عن تناول المأكولات النيئة".
الإنسان هو ابن بيئته، ولا ريب في أن طعامه جزء أساسي من هذه البيئة، وهو يكشف ناحية من شخصيته وتقاليده وتقدمه. والأكيد أن صحة غذائنا تنعكس على صحة أفكارنا وتصرفاتنا، فعسى أن نحسن تلقف هذه النقلة النوعية لأنها الخطوة الاولى في طريق الألف ميل.
ياراعرجة