بدأ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تطبيق ما قاله في أوستراليا بأنّه سيُطلق حملة مشاورات واسعة مع الدول الكبرى من أجل إنتخاب رئيس للجمهورية، بعد مقاطعة نواب تكتل «التغيير والإصلاح» و«حزب الله» الجلسات، وتعطيلهم النصاب، وعدم تقديمهم أيّ مبادرة لإستعجال الاستحقاق.
اللقاء الديبلوماسي الأوّل للراعي، بعد عودته من اوستراليا، كان مع السفير الأميركي ديفيد هيل الذي إجتمع بالبطريرك، على رغم معرفته أنه لا يحمل له أخباراً سارة بقرب إنفراج الأزمة الرئاسية، فهو شكا هموم بلاده وإنغماساتها في المنطقة، قبل أن يسمع همّ بكركي الأساس. فيما إنشغلت دوائر البطريركية مساء أمس الأول بزيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي أطلع الراعي على الأجواء الأمنية.
هاتان الزيارتان المنفصلتان والبعيدتان في التوقيت والمضمون، تأتيان ضمن سياق تأكيد أمن لبنان وإستقراره، إذ توضح مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «قهوجي أطلع البطريرك على الوضع الأمني في البلاد، في وقت أبلغه الراعي طلبه من الحكومة الأوسترالية تسليح الجيش ودَعمه، وأنّ هذا الطلب قد لاقى تجاوباً لافتاً».
وتشدّد المصادر على أنّ «علاقة الصرح البطريركي بالجيش وقائده ممتازة جداً، ولا يفكّرنَّ أحد بزرع الشقاق بينهما بصرف النظر عن الإستحقاق الرئاسي والدخول في لعبة الأسماء.
فالجيش سياج الوطن وحاميه، والجميع تحت رايته، وبكركي تبذل ما في وسعها لدعمه في هذه المرحلة الحسّاسة، وبشتّى الوسائل المتاحة، لأنّ التصويب على قائد الجيش ومهاجمته هو إستهداف للوطن وللمؤسسة العسكرية. وبعد إفراغ الرئاسة من رئيسها الماروني، لن نسمح بالتعرض للمؤسسة العسكرية التي ترأسها شخصية مارونية، وتحمي كلّ لبنان».
وتُبدي بكركي إرتياحها بعدما أمسك الجيش باللعبة الأمنية وضبط كلّ بؤر الإرهاب، ما يدلّ على صوابية توجّهها عندما دعت اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، الى الإبتعاد عن التسلح والأمن الذاتي، لأنّ الجيش أثبت مهنيّته وقتاله الإستبسالي، وهذا ما طمأن المسيحيين إلى أنّ «داعش» وأخواتها لن تدخل متراً واحداً في الأراضي اللبنانية.
تترافق الأوضاع الأمنية الإيجابية، مع تطمينات خارجية بأنّ الساحة اللبنانية محيّدة عن نزاعات المنطقة، لكنّ الارتياح الأمني لا ينعكس على الملفات السياسية، إذ إنّ الأجواء الديبلوماسية التي عبّر عنها السفير هيل لا توحي باتفاق رئاسي قريب.
وبعدما شدّد من بكركي، على أنّ «أميركا قلقة من شلل المؤسسات السياسية في لبنان، والذي بدأ بالفشل في انتخاب رئيس للجمهورية في شهر أيار، الامر الذي أدّى الى تأجيل الانتخابات النيابية، فضلاً عن تمديد ولاية البرلمان»، دعا البرلمان اللبناني الى «انتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن وفق الدستور والميثاق الوطني». ولفَت إلى أنّ «انتخاب الرئيس هو قرار لبنانيّ». وحضَّ الزعماء اللبنانيين على «تحديد موعد لإجراء الانتخابات النيابية في أقرب وقت ممكن».
فهمَت بكركي من كلام هيل أنّ أميركا لم تحسم خياراتها الرئاسية، وتؤكد مصادرها لـ»الجمهورية»، أنّ «الإجتماع مع هيل لم يأتِ بأيّ جديد، فالهمّ والقلق ما زالا كبيرين»، لافتة الى أنّ السفير الأميركي «أكّد للراعي أنّ بلاده حريصة على الإستقرار والرئاسة، وسط إستغراب دولي لسبب تأخّر إنجاز الاستحقاق».
وتشير المصادر الى أنّ «هيل وعَد بالعمل من موقعه لتسهيل الإنتخاب، وذلك عبر الضغط من خلال المجتمع الدولي، وإستعمال كل القنوات الديبلوماسية، لكنه أكد أن لا مرشح لأميركا التي تعاني ألف مشكلة في الشرق الأوسط، ولبنان لا يندرج في أولويات إهتماماتها، لكنّه يشارك الراعي هواجسه، وأعطاه جرعة دعم لإستكمال معركة الرئاسة».
تنظر بكركي الى الملف النووي الإيراني، وسط ترقّب أحداث الداخل، مع استمرار انقطاع الإتصال مع النواب. وفي هذا السياق، تقول المصادر: «مَن يريد زيارتنا فأهلاً وسهلاً به، لكننا ننتظر من النواب مبادرات لا زيارات بروتوكولية من أجل إلتقاط الصورة»، مذكرة بأنّ الراعي «جمَع القادة المسيحيين وأجرى سلسلة إتصالات وشكّل اللجان، لكن بلا تجاوب».
من هنا، تؤكد المصادر أنّ «كل الأفكار تطرح للتواصل مع الخارج، ومنها إرسال وفد كنَسي الى الدول المؤثرة خصوصاً إيران والسعودية، علماً أنّ الإتصال مع سفارتَي البلدين لم يتوقف، وزيارة سفيريهما إلى بكركي واردة في أيّ وقت، ولن نوفّر جهداً من أجل الإتفاق على رئيس».
أما ماذا تنتظر بكركي لتسمية النواب المعطلين؟ فتشير المصادر الى أنّ «الرأي العام يعرف المعطلين ولا ندخل في الأسماء، وهم مكشوفون مهما حاولوا تغطية رؤوسهم بالرمال، والتاريخ سيُحمّلهم مسؤولية التعطيل وضرب الموقع الماروني الأوّل».