برز عنصران في بعض الأروقة الديبلوماسيّة عن قمّة منتدى التعاون الاقتصادي لدوَل آسيا - المحيط الهادي في بكين: ديناميّة الرئيس باراك أوباما المنفتحة على نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وملفّ الشرق الأوسط الذي حظيَ باهتمام خاص.
مرَدُّ هذه الديناميّة - في نظر المتابعين - فوز الجمهورييّن في الانتخابات النصفيّة. أطلقَ فوزُهم العنان باكراً للحملة الرئاسيّة الأميركيّة إستعداداً وتخطيطاً، وشكّل قوّة ضغط على الإدارة الحاليّة لناحية المحاسبة، ومراقبة كيفيّة التعاطي مع ما تبقّى من مشاريع مدرَجة في أجندتها.إغتنمَ أوباما وجودَه في قمّة بكين ليؤكّد أمام قادة الدوَل المشاركة أنّه لا يزال الرئيس القويّ، المصمّم على إيجاد الحلول والمخارج للملفّات العالقة، والأزمات المفتوحة، كما هي الحال في الشرق الأوسط.
ما رشَح أنّ تفاهماً حصَل «على لجمِ الفوضى في المنطقة، وإعادة الإمساك بمفاصل الأمور التي انفلتَ عقالها من أيدي الأنظمة لتصبحَ في الشارع». وصولاً إلى هذه النتيجة كانت هناك مقدّمات: رسائل أوباما إلى مرشد الثورة الإسلاميّة آية الله علي خامنئي، وردّ الأخير عليها. ولقاء مسقط بين وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف في حضور ممثلة الإتحاد الأوروبي كاثرين أشتون.
التقدّم أُحرِز في المفاوضات، والنتيجة كما يقول ديبلوماسي متابع: «طالما إنّ الحلقة لم تنكسر، وينفرط العقد، فهذا يعني حصول تقدّم؟!». ربّما استند الرئيس تمّام سلام إلى هذا المناخ ليطلق إشارة أمل «أنّ تسوية النزاع النووي الإيراني ستمهّد الطريق أمام حلّ للأزمة السياسية التي تركت لبنان بلا رئيس منذ أيار الماضي». ليس المطلوب رئيساً «يشع»، بل يشارك في الورشة الدوليّة التي تحاول ضبطَ الجنون المنفلت في المنطقة.
لم يغفل سلام تأثيرَ الأزمة السورية على لبنان، وطالبَ بحلّ نهائي لها. المبعوث الأممي ستيفان دو ميستورا لم يقدّم برنامجاً متكاملاً للحلّ، لكنّه يتحدّث عن حلب. يحاول ثقبَ الجبل بإبرة حلب، وإنْ نجحَت المحاولة، ربّما تكون البداية، لكن ما طرحَه لم يصبح من الماضي: إنّه في الحاضر، ويؤسّس للمستقبل.
في كلّ الأحوال، يبقى التوقيت مهمّاً، حيث تكبر كرة الثلج على أكثر من محور، وإذا كانت سوريا مشغولة بعروض دو ميستورا، فإنّ السعوديّة مشغولة بـ«عروض» ثلاثة على الأقلّ:
أوّلها: قبلَ وصول كيري إلى مسقط، وجَّهت الإدارة الأميركيّة رسالة بالغة الأهمّية إلى الرياض، عبارة عن عقوبات بحقّ الرئيس اليمَني السابق علي عبدالله صالح، واثنين من القادة الحوثييّن، وكان لها المفعول السحريّ، إستعاد الرئيس عبد ربه منصور هادي زمام المبادرة، واجتازَت الحكومة الجديدة امتحان التأليف بنجاح، وتفشّى وباء التفكّك في قيادة حزب المؤتمر.
الثاني: التفاهم الذي تمّ في مسقط بين كيري وظريف في حضور نظيرهما العماني يوسف بن علوي على ضبط الاحتقان المذهبي في بعض دوَل الخليج، قبيل انعقاد القمّة الخليجية في الدوحة.
الثالث: زيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى المملكة لينهيَ قطيعةً امتدّت أكثر من عقدين. وقد أعلنَ وزير المال هوشيار زيباري أنّ وفداً أمنيّاً سعوديّاً سيزور بغداد للاطّلاع على الوضع الأمني فيها، تمهيداً لإعادة فتح السفارة السعودية.
إنتهت قمّة بكين، وقبلَ أن توزّع قراراتها، طالبَ مجلس الأمن الدولي بانتخاب رئيس للبنان. ليس هذا بقليل، والرابط بين ما تشهده المنطقة وقمّة بكين، ثمّ ما بينها وبين توجّه مجلس الأمن، خطّ بيانيّ واضح: ضبط الجنون، وإعادة الإمساك بالأوضاع الأمنيّة والنفطيّة والسياسية في الدوَل التي تسودها ثقافة التوحُّش، وانتخاب رئيس يمسك بزمام الأمور ويواكب التحرّك الدولي الذي يقدّم عروضاً جديدة في الدوَل المنتفضةِ مختلفةً عن سابقاتها. فهل موعد 19 الجاري واعدٌ لانتخاب رئيس؟ لا يمكن الإفراط في التفاؤل، لكن ما بعد موقف مجلس الأمن ليس كما قبله.