تهديد عضوَي مجلس الشيوخ الأميركي النافذَين، الديموقراطي روبرت مننديز والجمهوري مارك كيرك، بالسعي إلى فرضِ عقوبات إضافية على إيران في حال لم يتضمَّن الاتفاق معها تفكيكَ كاملِ برنامجها النووي، يُنظَر إليه على أنّه نموذج عن الصعوبات التي قد يُواجهها الرئيس باراك أوباما عند تسويق هذا الاتفاق في بلاده.
كان لافتاً حجم التعتيم الإعلامي المستمرّ على ما أثمَرته جولات التفاوض في مسقط، على رغم جرعات التفاؤل التي حاولَ الروس والعمانيون إضفاءَها على ما تحقّقَ فيها.
يقول مراقبون أميركيون "إنّ هذا التفاؤل قد لا يكون في محلّه، خصوصاً إذا كان الرهان يقوم على حلحَلة الملفات المرتبطة بهذا الملف، فإدراك ما يجري فيها ليس عصيّاً على الفهم.
في الأصل، هناك من يرى أنّ لعبة «عضّ الأصابع» بين واشنطن وطهران قد لا تستمرّ، ما لم تُقدّم إيران عرضاً جدّياً يُنهي الخلاف على ثلاث نقاط رئيسة في هذا الملف، وهي: حجم التخصيب المسموح به والقدرة على التحقّق منه، مستقبل مفاعل آراك للمياه الثقيلة، وآليّة رفع العقوبات عنها".
ويلفت هؤلاء إلى دلالة الإعلان الروسي ـ الإيراني المشترك عن بناء مزيد من المفاعلات النووية في إيران، والتي ستتغذّى بوقود روسيّ، يُعاد إلى موسكو مجدّداً لمعالجته وتخزينه بعد استخدامه.
فالبعض يرى أنّ هذا الإعلان يمثّل جانباً من المساهمة الروسية في حلحَلة هذا الملف، لناحية كونِه «جزرة» ترضية جدّية لإيران، في الوقت الذي يُنقَل عن الروس تشدّدُهم بالمقدار نفسِه لمستوى التخصيب المسموح به لإيران.
وبالعودة إلى الملفّات المرتبطة، يقول هؤلاء «إنّ التطورات السياسية والميدانية، خصوصاً في العراق، أعادت قرعَ أجراس إنذار أميركية عدّة بضرورة عدم الانزلاق إلى المربّع الذي انتهَت منه تجربة العلاقة مع طهران في هذا البلد.
فما تحقّقَ خلال أكثر من ثلاثة أشهر على بدء الحرب على «داعش»، أظهرَ أنّ الرهانات لا تزال أضعفَ من إمكان إحراز تقدّم في «عراق مركزي» في مواجهة هذا التنظيم، في الوقت الذي يزداد الاقتناع لدى كثيرين بأنّ الفشل أو على الأقلّ ضآلة الإنجازات، أصابَ خمسة عناوين كان العمل قائماً على تحقيق تقدّم فيها: الحرب على الفساد، الحدّ من التشنّج الطائفي، تدريب «الجيش العراقي الموحّد»، العلاقة مع الأكراد سياسياً واقتصادياً، وإعادة مدّ الجسور مع محيطه العربي.
أمام هذا المأزق، يرى كثيرون أن لا إمكانية لخَوض حرب ناجحة ضدّ «داعش»، ما لم يُصَر إلى إعادة تشكيل قوّة شعبية وعسكرية منبثقة من البيئة التي نما فيها هذا التنظيم وترَعرع.
وهنا يسأل المراقبون عن مغزى الحديث عن اتّفاق مع إيران، سواءٌ في ملفها النووي أو في غيره من الملفات، إذا كان الحديث عن «لا مركزية» في إدارة العراق؟
الأمر نفسُه قد ينسحب على ملفات أخرى، في وقتٍ تشكّك واشنطن في إمكان التزام نظام بشّار الأسد عرضَ المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا تجميدَ القتال في عدد من المناطق السورية، خصوصاً في حلب.
وتؤكّد أوساط مطّلعة، تصاعُدَ النقاش في البنتاغون حيال ضرورة إعادة النظر في استراتيجية قتال "داعش" وأخواتها، بما يأخذ في الاعتبار ضرورة أن تشمل الضغوط العسكرية قوّات النظام أيضاً. ونُقِل أمس الأوّل عن نائب مستشارة الأمن القومي بن رودس قوله "إنّ الإدارة الأميركية يبدو أنّها في طور تغيير أدوات عمل تلك الاستراتيجية"!
وفيما تتحدّث أوساط سياسية عن مهلة ستة أشهر أعطَتها دوَل الخليج لاختبار مدى نجاح تلك الاستراتيجية، تنتهي في آخر كانون الثاني المقبل، وعن احتمال زيارة شخصية سعودية رفيعة جداً واشنطن قريباً، تقول أن لا إمكانية للاستمرار في الآلية المتّبَعة في سوريا على ما هي عليه اليوم، ولا بدّ من إشعار الأطراف كافة بحاجتها إلى وقفةٍ ما وإعادة حساباتها.
إذا كان الحديث يدور عن حرب طويلة في العراق أو في سوريا، قد يكون من الأجدى الكلام عن فكفكة في الملفات لا توحيدها، وهذا ما ستخضع له أيضاً عملية إعادة بناء معارضة مقبولة وموثوقة. وما يُعتقد اليوم بأنّه مداراة
أميركية للعلاقة مع إيران، قد لا يبقى هو نفسُه إذا ما تمّ النجاح في «تصفير» أرباحها السياسية فيها أيضاً. في هذه الحال، قد يُطرح التساؤل عن معنى الاحتفاظ بورقة الأسد عندما تصبح بلا معنى؟
(جاد يوسف -)