إعلان المتحدثة بإسم وزارة الدفاع الأميركية إليسا سميث عن وصول أوّل ٥٠ مستشاراً عسكرياً إلى “قاعدة الأسد” في الأنبار العراقية، مدعومين بطائرات “الأباتشي” للدفاع عنهم اذا تطلّب الأمر ذلك، يشير إلى أنّ المرحلة الأولى من “حرب السّنة” على “داعش” بدأت عملياً.
هكذا يَنظر المتابعون إلى مفاعيل إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما مضاعفة عدد الجنود الأميركيين إلى العراق، مُقلّلين من أهمية الحديث عن ترابط الحرب على «داعش»، بالتنسيق مع إيران أو بالاتفاق معها، سواء في ملفّها النووي أو في دورها الإقليمي.
لا بل هناك من يرى أنّ الإدارة الأميركية، برئيسها الديموقراطي وبمعارضيه الجمهوريّين، باتوا أقرب إلى الاتفاق على مقولة إنّ «العراق القديم» قد انتهى، أقلّه لمرحلة لا تقلّ عن عقد من الزمن. وتحاول طهران نفسها التكيّف مع نتائجها الجيوسياسية، بعدما خسرت سيطرتها الإجمالية على العراق الموحّد.
تقول أوساط أميركية «إنّ إصرار واشنطن على إعطاء الأولوية للوضع في العراق، تُحرّكه اقتناعات سياسية بأنّ مستقبل المنطقة مرهون من الآن فصاعداً على طريقة فصل المسارات السياسية والجغرافية بعضها عن بعض، بعدما تكشّف عمق النزاع والاختلافات السياسية والدينية المقيمة في مفاصلها وتاريخها.
فالعراق الآن منقسم إلى ثلاث «دويلات»، تصارع طهران لتعزيز حصّتها في «دولته» الشيعية، في وقت تنمو «اعتراضات عربية»، مستظلّة بموقف المرجعية الشيعية الراغب عملياً في إعادة ترميم علاقات العراق مع محيطه العربي، على حساب المرجعية الفارسية القابضة عموماً على سلطة الشيعة فيه».
وتؤكد تلك الأوساط أنّ مرجعية الأكراد باتت خارج النقاش، مع نشر مظلة الحماية الدولية لهم، في الوقت الذي يُنظر إلى قرار زيادة عدد الجنود الأميركيين على أنّه ترجمة عملية للشراكة التي فُرضت على الإيرانيين بعد هزيمة مشروعهم في العراق.
وتلفت إلى أنّ قرار توسيع مهمات المدربين والخبراء الأميركيين إلى خارج بغداد نحو أربيل والأنبار، يقطع الطريق على سياسة التهويل التي يمارسها البعض، للقول إنهم سيكونون رهائن في يد طهران.
فالإيرانيون يعلمون أن لا قدرة لهم على خوض الحرب ضد «داعش» بمفردهم، وشراكة الاضطرار مع واشنطن فرضتها حقيقة أنّ إنهاء هذا التنظيم لا يمكن أن يتم إلّا عبر «أهل السنّة»، شرط توفير ضمانات سياسية واقتصادية وعسكرية كثيرة لهم.
هذا ما شرعت فيه القيادة العسكرية الأميركية على الأرض، في الوقت الذي تكشف الوقائع الجارية صحة تسريبات عدّة تحدثت عن هذه الخطط في الأسابيع الماضية.
وتضيف تلك الأوساط: «انّ السعي إلى محاولة تجميد الوضع في سوريا، تحكمه اعتبارات تكتيكية واستراتيجية، على رأسها أن لا إمكانية للنجاح في وقف نشاط الجماعات المتطرفة فيها، سواء كانوا من «داعش» او «النصرة» أو غيرها، من دون النجاح في قطع التواصل بين العراق وسوريا في هذا المجال».
وتعتبر أنّ واشنطن تسعى إلى تثبيت ما شهدته مدينة عين العرب وتعميمه، انطلاقاً من اقتناعها بعدم توافر أيّ بديل أو قوة يُعتدّ بها لإحداث التغيير المطلوب في سوريا.
هكذا يفهم من طرح «تجميد» الحرب في مدينة حلب، خصوصاً أنّ أطراف النزاع يدركون أنّ ميزان القوى المختلّ في هذه المرحلة لمصلحة النظام فيها، استفاد من الضربات الجوية التي نفذها التحالف الدولي ضد «داعش» وأخواتها، وهو موقّت ويمكن قلبه بسهولة.
تضيف تلك الأوساط أنّ ما حمله المبعوث الدولي الخاص ستيفان دو ميستورا إلى دمشق، لا شك في أنّه ينال موافقة القوى الدولية والإقليمية، وضوءاً أخضر منها.
فإذا كان الرهان قائماً على محاولة تنظيم «تعايش» بين مكوّنات العراق لوقف دورة العنف الشاملة فيه، فمِن الأولى البحث عن معادلة شبيهة في سوريا أيضاً، تُجمِّد النزاع في مرحلة أولى، وتقيم حدوداً شبه واضحة بين أطرافه، تمهيداً للحديث عن مستقبل البلد والمنطقة برمّتها.
وتؤكد تلك الأوساط أخيراً أنّ الرهان على إنجازات في ملف طهران النووي قد لا يكون في محله، خصوصاً أنّ جولة المفاوضات الأخيرة لم تثمر عملياً، فيما المرجّح تمديد المهلة إلى ما بعد 24 من الشهر الجاري، من دون الإعلان عن فشل الستاتيكو القائم أو نجاحه أو تغييره.
بقلم: جاد يوسف