"إذا لم تستحِ فافعل ما شئت"، لعل هذا القول ينطبق تمام المطابقة على مجلسنا الكريم الذي طاب له التمديد فمن يمنعه؟ وكما يقول المثل الشعبي: "الفاخوري بدير إدن الجرّة متل ما بدو".
وها هم يعودون إلينا بوجوههم المقيتة. الوجوه ذاتها التي جلبت هذا الخراب والتفكك والفساد في مؤسسات الدولة يعودون إلينا ضاربين بعرض الحائط كلّ القوانين والأعراف والأصوات المعارضة لهم، والحجة أو الذريعة: "الوضع الأمني لا يسمح"، وطالما أنّ الوضع الأمني لا يسمح فكيف جاءوا إلى ساحة النجمة يلتفون حول كراسيّهم كربيضة الغنم؟! كيف حضروا وهم الذين أعموا أبصارهم عن كلّ ما يهمّ المواطن وخاصة لقمة عيشه التي باتت فعلاً في هذه الأيام لقمة مغموسة بالدم يبحث عنها المواطن كمن يبحث عن سراب!، أما هم فلا همّ لهم سوى النمرة الزرقاء، ومرافقين وخدم وحَشَم.... إنه النفاق السياسي بعينيه، نفاقٌ تكاد تغطي سحبه كل الأجواء الملبّدة في سماء المنطقة، يبررون لأنفسهم التمديد بحجة منع الفراغ، وهم والفراغ أخوة وصداقة متأصلة... أليس الفراغ موجوداً في خطاباتهم وأفكارهم..؟ أليس الفراغ حاضراً في مشاريعهم التي أحبطت كل مسعى لإقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام؟! أليس الفراغ قائماً في أفكارهم السوداء التي ما جلبت للبلاد إلا مزيداً من الإنقسام المذهبي والطائفي؟
إن ما أقدم عليه المجلس النيابي من تمديد لنفسه يشبه الى حد بعيد أعمال الحكام العرب الذين استطاب لهم حكم الرعيّة بالوراثة أو بقوة الحديد والنار. إنه حكم الفراغ وهي خطوة الفراغ الأكبر في صميم هذه الدولة المتهالكة أصلاً المحتضرة بفعل أصحابها...
ويا ليت فراغهم هذا يشبه الفراغ الذي أراده الشاعر الكبير سعيد عقل عندما وصف حبيبته "سمراء"، وخاطبها قائلاً: "قلبي جميل بالفراغ الحلو فاجتنبي دخوله"، وشتان ما بين فراغ عقل الحلو وفراغ السلطة الحاكمة، الفراغ المقيت والقبيح والنتن...