التيّاران الإسلاميّان الأقوى في المنطقة باتا اليوم "القاعدة" و"داعش"(¶). وهي حالة لا تَنتج فقط من القوة الميليشيوية العسكرية وبعض التسهيلات من دول إقليمية وإنما أيضا من ظاهرة جديدة هي تحوّل هذين التنظيمين بأسمائهما المختلفة إلى قوتين شعبيتين في العديد من المناطق في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا.   هذا تحوّل كبيرٌ جدا ستكون له نتائجه في السياسات المحلّية في العالم العربي. وإذا كان لا بد من بعض المقارنة وإنما بكل تحفّظ على الفارق في البيئات والأحجام والتكوين يمكن القول ان مثل هذه الظاهرة شهدناها في الثمانينات من القرن الماضي  مع التحوّل التدريجي لـ"حزب الله" اللبناني من تنظيم سرّيٍّ  الى حزب شعبي أساسي بل الأساسي في بيئة شيعة لبنان وسوريا. أول الأسئلة في هذا المقال هو: هل كان يمكن لهذا التحوّل أن يحصل من دون تواطؤ ما للتيار التقليدي الإسلامي الأعرض في العالم المسلم وهو "الإخوان المسلمون"؟ لم يُدرس مثلاً بعد ما هو دور "الإخوان المسلمين" اللوجستي في تسهيل السياسات التركية المتَّهمة بدعم التيارات التكفيرية في سوريا والعراق ولا سيما مؤخّرا "داعش"؟  فقيادة "الإخوان" الرئيسية في كل المنطقة باتت مقيمة في تركيا التي يتصرّف الحزب الحاكم فيها (حزب العدالة والتنمية) باعتبار اسطنبول "موسكو الحركات الإخوانية" قياساً إلى ما كانت عليه العاصمة الروسية للأحزاب الشيوعيّة في العهد الشيوعي السوفياتي. ولا يمكن إلا لساذج، حسب مصادر تركية، تجاهل دور طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي السابق اللاجئ بحماية الرئيس رجب طيِّب أردوغان بين اسطنبول وقطر والشخصية القيادية في "الحزب الإسلامي" - وهو تقليديّاً "الفرع" العراقي لـ"الإخوان - في الترتيبات السرية والعملية التي أنشأت التركيبة المتعدِّدة التي سمحت لـ"داعش" بالسيطرة على مدينة الموصل. وهي تركيبة فعّالة من الجهاديين العرب والأجانب والضباط البعثيين وغير البعثيين السابقين في الجيش العراقي وبعض شيوخ العشائر ومناصريهم. أصبح من التكرار اتهام تركيا بدعم "داعش". فالتهمة مكرّٓسة في العواصم الغربية وأكدها مسؤولون ألمان وأميركيون (نائب الرئيس جو بايدن) كما تعليقات وتقارير صحف غربية كبرى ناهيك طبعا عن كونها معطىً ثابتاً بالنسبة للمعارضة التركية والعديد من الصحفيّين الأتراك. لقد وصل الأمر في السياسة الرسمية التركية إلى حد ملاحظة العديد من المراقبين وآخرهم باتريك كوكبرن في مقالة في "لندن ريفيو أوف بوكس" (24 تشرين الأول المنصرم) أن البوليس التركي قمع المظاهرات المعادية لـ"داعش" في حين غضّٓ النظر عن المظاهرات الداعمة لـ"داعش" في تركيا. كل هذا في جو  ينبغي فعلاً التوقف عنده لدراسته وهو أن "الروح الجهادية" في "حزب العدالة والتنمية" تصل إلى إظهار بعض الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسات تركية وجود نسبة عالية من شباب هذا الحزب معجبين بـ"داعش". في ليبيا من الثابت دور "الإخوان" لا في العمل المسلّح فقط على الأرض الليبية بل أيضا في التعامل مع ليبيا كقاعدة قتال ضد النظام المصري. "حركة حماس" تصرّ أنها لا تسمح بأي نشاط مسلّح عبر غزة ضد مصر ولا سيما في سيناء على أساس أولوياتها الفلسطينية التي تتطلّب التركيز على العدو الإسرائيلي لكن هذا ليس رأي السلطات المصرية التي تعتبر غزة حاليا مصدر تهديد أمنيٍّ وهي - أي السلطات المصرية - بدأت في إقامة شريط خالٍ من السكان (نُقِلت 800 عائلة) بمحاذاة الحدود مع غزة. في حين يعرف "الإخوان" المصريون أن النخب وأغلبية المجتمع المصري ذي الثقافة السلمية متعاطفةٌ مع الحكومة المصرية في حربها ضد الإرهاب باعتبارها الدولة العربية الكبرى التي نجحت في منع الحرب الأهلية على أراضيها وحافظت على تماسك دولته حتى لو كانت لدى الكثير من نخبها الآن اعتراضات على الحريات المدنية. لنتذكّر أن "الإخوان" قبل حوالى العام حاولوا اللعب من خلال افتعال يافطة "جيش مصر الحر" في ليبيا واضطروا إلى إلغائها بسرعة لأن ما تحتمله سوريا لا تحتمله مصر. في سوريا "الإخوان" منغمسون في العمل العسكري من بدايات الثورة - الحرب الأهلية وهو أمر تقليدي في تاريخهم السوري منذ الستينات. أما في العراق فكل الفئات مسلّحة والجديد الداعشي ليس "الإخوان" على الأرجح بعيدين عن بداياته. في اليمن بات من الواضح تحالف "التجمع اليمني للاصلاح" الإخواني مع تنظيم "القاعدة" لا سيما في مواجهة الصعود الحوثي المتحالف مع إيران. لا شك أن الخارطة الجهادية في العالمين العربي والمسلم باتت متشعِّبة بما يتجاوز "الإخوان المسلمين" وتحالفاتهم مع تركيا وتمويلهم القطري. فالصراع في أفغانستان وباكستان وعدد من دول العالم العربي يشهد - باستثناء النموذج التونسي - انتهاءً للميل الوسطي السلمي للإسلاميين وخصوصاً "الإخوان" نحو اتجاه انتقامي من القوى التي أسقطتهم وبصورة أساسية في مصر... عبر تواطؤ مع الجهاديين تفوح رائحته من سيناء إلى نينوى إلى اليمن. هل قرار "الإخوان" حمل السلاح هو يأسٌ انتحاريٌّ في مصر واستنفارٌ تحالفيٌّ في بلاد سايكس بيكو الحرب أهلوية النفطية (سوريا  والعراق) واستجارة قبلية مذهبية في اليمن وضرورة "فراغية" في ليبيا؟ لكل هذا تونس ليست فقط نموذجا ديموقراطيا بل الاستثناء الإيجابي الذي يكسر القاعدة "الإخوانية". لم ينزل "الإخوان" تحت الأرض فقط بل حملوا السلاح أيضاً حتى حيث لم يحملوه سابقا.