يستفيد الرئيس التركي رجب طيب ارودغان من المذكرة السرية التي سرى ان وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل بعث بها الى مستشارة الامن القومي سوزان رايس أعرب فيها عن قلقه من استراتيجية بلاده الشاملة في سوريا مشدداً على ضرورة اعتماد رؤية اكثر وضوحاً في شأن ما يجب القيام به ازاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد غير خاف خشيته من تعريض الادارة الاميركية المكاسب المحرزة في حربها ضد تنظيم الدولة الاسلامية الى مخاطر اذا لم تقم بتعديلات وان السياسة الاميركية هناك معرضة للفشل بسبب الارتباك الذي يحيط بموقف واشنطن من الاسد. اذ كشف عن المذكرة بعد ايام قليلة من العاصفة التي اثارتها شروط تركيا من اجل المشاركة مع التحالف الدولي لإنقاذ مدينة كوباني في سوريا من هجوم داعش، ومن بين هذه الشروط الحصول على تعهد واضح باسقاط بشار الاسد. وفيما لقي موقف اردوغان انتقادات عدة لرفع سقف شروطه قبيل المساهمة في انقاذ كوباني، فإنه يستطيع توظيف موقف هاغل لتدعيم وجهة نظره واظهار صوابيتها، علماً ان منسق عمليات التحالف الجنرال جون آلن قدم وعوداً اخيراً عن اعداد المعارضة السورية ليس لمواجهة "داعش" فحسب بل ايضا النظام السوري وان لا مستقبل لسوريا مع الاسد.
لكن مذكرة هاغل تظهر عدم وجود استراتيجية اميركية بعيدة المدى حول نهاية الوضع في سوريا او اي تصور لهذه النهاية. ومع ان امكان توظيف اردوغان لموقف هاغل ليس هو بيت القصيد فعلاً في هذا السياق، الا انه مهم من زاوية اثارة تساؤلات جدية حول غياب الضمانات السياسية التي اقيم على اساسها التحالف من اجل مواجهة "داعش" والاحتمال الكبير لإضعافه خصوصا متى كشفت مذكرة هاغل ان النظام السوري يستفيد على الارجح من الضربات التي يوجهها التحالف ضد "داعش"، ما قد يتسبب بأزمات داخلية حقيقية للدول الاقليمية وتحديداً الخليجية المشاركة في التحالف. فلم تستطع واشنطن مثلاً سوى ابداء الاسف والصدمة ازاء قصف النظام الاسبوع الماضي مخيماً للاجئين السوريين اوقع ضحايا كثيرين، وذلك فيما لم تلق محاولة النظام تعميم فكرة وجود تعاون بينه وبين الاستخبارات الاميركية او الغربية اي دحض فعلي.
وفيما ينضم هاغل في المقاربة التي قدمها للازمة السورية في المذكرة التي رفعها الى رايس من مسؤولين سابقين في ادارة الرئيس باراك اوباما على غرار وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا الذي اثار عاصفة انتقادات تتناول اداء اوباما في شأن الازمة السورية في كتاب اصدره حديثا، فان ثمة فارقاً ان موقف هاغل يأتي بعد ما يزيد على ثلاث سنوات من انطلاق الازمة السورية إي مدة مماثلة لغياب رؤية اميركية في شأن التعاطي مع النظام السوري . يضاف الى ذلك ان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش انما يتعامل مع هذه الظاهرة وحدها كرد فعل على الارجح على عمليات اجرامية استهدفت مواطنين غربيين من جهة وعلى تهديد تنظيم الدولة الاسلامية حدوداً ليس مسموحا له ان يهددها في العراق اولا ثم في سوريا، لكن ليس اكثر من ذلك من جهة اخرى. وهو على صعيد آخر، يثبت صوابية عدم مشاركة الدول الاوروبية الولايات المتحدة في الحرب على داعش في سوريا كما تشارك هذه الدول في العراق باعتبار انه سرى ان فرنسا وسواها ترفض المشاركة خشية استفادة نظام بشار الاسد من العمليات ضد داعش في سوريا، علما انه ينبغي الاقرار ان الادارة الاميركية حين اعلنت عن التحالف الدولي حصرت الاهداف به دون سائر اوجه الازمة السورية فيما تردد انها قدمت ضمانات لايران وروسيا بعدم استهداف النظام.
لعل موقف هاغل يشكل بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية مراقبة جرس انذار للدول المشاركة في التحالف ولا سيما الخليجية منها التي تؤمن الغطاء السني من اجل مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية من اجل الضغط على الادارة الأميركية لتعديل مقاربتها لاستراتيجيتها في شأن الازمة السورية تزامناً مع متغيرات في الداخل الاميركي مع توقع سيطرة الحزب الجمهوري على غالبية مجلسي النواب والشيوخ في الانتخابات النصفية للكونغرس غداً الثلثاء. اذ ان الجمهوريين يظهرون تشدداً اكبر من اوباما في مقاربة الازمة السورية وهم طالبوا منذ بدء الازمة بانخراط اكبر لأميركا في هذه الازمة ما قد يساهم في دفع الامور نحو مقاربات مختلفة اذا ساهم الخارج ايضا في الدفع في هذا الاتجاه، خصوصا ان ثمة مستجدات ستكون مؤثرة من بينها الارجاء المحتمل لإمكان التوصل الى اتفاق مع ايران حول ملفها النووي في 24 تشرين الثاني الجاري.