اللاءات الثلاث التي اطلقها البطريرك الراعي من استراليا وهي /لا لأي مؤتمر تأسيسي ولا لأي مثالثة الى جانب لا غاضبة وساخطة لاستمرار الفراغ الرئاسي وبقاء قصر بعبدا خاويا ومنسيا / وبالتالي التهديد بهز العصا في وجه السياسيين اللبنانيين من نواب ووزراء وغيرهم , لا شك تعبر عن خيبة امل تنتاب البطريرك عما آلت اليه الامور في لبنان وعن احباط شديد اصابه بعد فشل محاولاته المتكررة مع الزعماء اللبنانيين وخصوصاالموارنة لازالة العراقيل عن الطريق الى بعبدا ووضع نهاية للفراغ الرئاسي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية . والسؤال هل يمكن ان يترتب اي اثر لهذه الصرخة التي اطلقها البطريرك من استراليا على ارض الواقع ؟ وبالتالي هل لا زال للعصا البطريركية من تأثير معنوي على الساحة السياسية في خضم هذا الاشتباك المتفاعل بين الواقع الداخلي والواقعين الاقليمي والدولي ؟ واخيرا هل لا زالت بكركي تشكل المرجعية الضامنة لحقوق المسيحيين اولا وللمشروع الوطني وللصيغة اللبنانية وللعيش المشترك بين كافة الطوائف والمذاهب في لبنان مع حفظ حقوق كل طائفة ؟ وهل لا زالت بكركي هي المرجعية الدينية والسياسية للمسيحيين بشكل عام وللموارنة بشكل اخص ؟ جملة من الاسئلة لا يبدو ان الاجوبة عليها بالامر المتيسر والسهل , ولكن يمكن تسجيل بعض الملاحظات من النافذة المطلة على الدور المسيحي خلال النصف الثاني من القرن الماضي والى اليوم . فمع تراجع دور الحاضنة الاوروبية للمسيحيين في لبنان وتحديدا الحاضنة الفرنسية في منطقة الشرق الاوسط امام التمدد الاميركي وتقليص النفوذ الفرنسي على مجريات الاحداث في المنطقة العربية . هذا التراجع كان له اثر كبير في امكانية احتفاظ المسيحيين بالدور الريادي والمتقدم الذي كانو يتمتعون به , فلم يعد لهم سند قوي وام حنون ذا تأثير قوي يمكن الاعتماد عليه لحفظ هذا الدور المتميز , الامر الذي انعكس بشكل مباشر وسلبي على الدور المعنوي للبطريركية المارونية فلم تعد الملجأ الآمن الذي يلبي طموح المسيحيين ويؤمن لهم الغطاء الذي يحمي وجودهم ويحمي امتيازاتهم في بلد كانوا يعتبرون انفسهم وتحديدا الطائفة المارونية فيه انها هي الرقم الصعب في المعادلات السياسية , مما اضطر بعض زعاماتهم في لحظة حرجة وخطيرة تعرضوا لها خلال الحرب اللبنانية للتعامل مع الدولة الصهيونية العدوة لحمايتهم من اخطار الوجود الفلسطيني الذي كان يجد في المجتمع السني حاضنة له . وهذا خطأ تاريخي ارتكبه المسيحيون وهم انفسهم اعترفوا به وقد دفعوا ثمنه وما يزالون . ففي اتفاقية الطائف التي انهت الحرب الاهلية اللبنانية تم تقليص الكثير من صلاحيات الرئاسة الاولى وهو الموقع الخاص بالطائفة المارونية لمصلحة الرئاسة الثانية تحت عنوان اعادة التوازن بين الطوائف , وفي تسعينيات القرن الماضي عندما قاطع المسيحيون الانتخابات النيابية , فان اعتراضهم لم يتجاوز حدود المناطق التي يقيمون عليها ومقاطعتهم لهذه الانخابات لم تترك اي اثر ومفاعيل على الساحة السياسية الداخلية , والاكثر من ذلك فقد تم تجاهلهم لدرجة انهم وجدوا انفسهم معزولين عن التأثيرات السياسية في ظل الوجود السوري . هذا الواقع المسيحي المتردي انتج نزاعات وخلافات حادة في الصف المسيحي بين زعامات ناشئة وافرزتها الحرب اللبنانية , عجزت بكركي عن ايجاد حلول لها ولو بالحد الادنى لهذه الخلافات , مما اضعف القرار المسيحي امام الشركاء في الوطن خصوصا بعد انقسام المسيحيين الى فريقين , فريق التحق بالمكون الشيعي وفريق التحق بالمكون السني . بكركي من جهتها عجزت عن البقاء على مسافة واحدة من المتصارعين بسبب تفاعل الساحة الداخلية مع الواقع الاقليمي , وهذا انعكس على دورها تراجعا وضعفا . لهذا فان تهديد البطريرك الراعي بهز العصا سوف لن يكون اكثر من صرخة في وادي لن يترتب عليها اي اثر سيما وان العصا لم تعد من خشب الارز الخالد وبالتالي فان سوس المصالح الانية قد نخرها فافرغها من جوهرها .