فجأة وجدت حركة أمل نفسها أمام مسؤولية الأمن في لبنان , وأمام متطلباته القاتلة والمميتة, واحتياجاته المستمرة في الحروب المفتوحة على كل الجهات ,من الفلسطينيين, الى أحزاب الحركة الوطنية, واليمين المسيحي, الى حزب الله, الى الاحتلال الاسرائيلي . وفجأة وجدت حركة أمل نفسها خارج مسؤوليّات الأمن , ولم يعد الجنوب بحوزتها , وخسرت في الأمن ما ربحته في السياسة في لحظة تبدّل في موازين القوى , وصعود الدور الايراني الى مستوى متقدم في الشرق الأوسط الأمر الذي دفع بالقيادة السورية الى توزيع الأدوار ما بين حركة أمل وحزب الله فأعطى الأخير مسؤوليات أمنية غير محدودة , ومنح الأولى حصّة الأسد في السلطة .
زاد حزب الله من دوره الأمني بعيد خروج النظام السوري من لبنان, وأمسى الطرف الممسك لا بطرف اللعبة الداخلية بل بكل أطرافها, واستُلحقت به حركة أمل, والطائفة الشيعية بتشكيلاتها المتشابهة, اضافة الى تيّارات وشخصيّات وجماعات فريق 8آذار, وبذلك أمسك حزب الله بالورقة التي كان السوريّون يمسكون بها من قبل .
عندما فُتحت الحرب في سورية, ودخل حزب الله نارها المؤصدة, بدت حركة أمل أكثر نُضجاً في نظر اللبنانيين, وأكّدت أن هويتها السورية لا تتعدى حدود الاقليم اللبناني, وأعطت لنفسها ميزة في الوطنية الطائفية دفعت بأخصام النظام السوري الى التمسّك بالرئيس نبيه برّي كموقع لبناني حريص على تعاون الجميع في سلطة مشتركة رغم أن دولته ممثل أوّل للنظام الذي وفرّ له صعوداً ودوراً في الدولة والمجتمع .
ما يهمنا هنا هو كيف استعادت حركة أمل دورها الأمني المفقود والمسلوب؟ من قبل حزب الله الذي نافسها في لحظة ايرانيّة طائشة أودت الى حرب شيعية – شيعية , وببعد اقليمي ايراني- سوري .
لقد استنزف حزب الله نفسه في الداخل اللبناني من خلال مسؤوليته المباشرة في الأمن, ومتطلبات الاستنفار الدائم لمجاراة الجماعة الانتحارية التي فرضت على حزب الله نوعاً من التدابير الأمنية المكلفة بشرياً وماليّاً , اضافة الى المسؤولية الأساسية في المحاور والثغور وفي الداخل اللبناني الذي يتطلب انتشاراً غير عاديّ لضمانة الدور المسيطر والمهيمن على الوطن , وجاءت الحرب السورية لتستنزف القوّة الفعلية للحزب .
هذا الاستنزاف المتعدد فرض انكفاءً للحزب كان لصالح الخصم الحليف حركة أمل التي نجحت في اعادة تجميع نفسها , واعادة هيكلة جسمها الداخلي بما يتناسب مع المعطى الطائفي, ومع الدور اللبناني , ونجح الرئيس نبيه بري في انتزاع ما نُزع منه بحنكة السياسي المخضرم من خلال مواقفه المحسوبة وبدقّة متناهيّة, و بذلك أعاد لأمل أملها في الأمن الذي قدّم له على طبق من ذهب , وبطلب مباشر من حزب الله, وهكذا أمسكت أمل بأمن الجنوب مجدداً, وكانت تدابيرها العاشورائية" بداية العودة الميمونة الى ساحة جنوبية لا تستطيع أمل العيش دونها .
بعد أن أدركت حركة أمل قوتها في الطائفة, وأحقيّتها في المذهب , بات من الصعب اختزالها بقرار, أو تدجينها بتفاهمات , لذا سيعاني الحزب مجدداً أكثر مما عاناه سابقاً من حركة تصادر السلطة والتمثيل لطائفة سياسية أسّسها مؤسسُها السيّد موس الصدر. لذا تملك حركة أمل -من وجهة نظر مناصريها - حصريّاً حقّ المصادرة في حقوق الطائفة دون غيرها .