لا تغيب الإثارة والرجولة القوقازية عن تصريحات رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف، فالشعوب والجمهوريات المنضوية تحت لواء الاتحاد الفدرالي الروسي تشهد للرجل تصميمه على تحقيق الوعود التي يقطعها.
يضع الشعب الروسي الزعيم الشيشاني رمضان قديروف في خانة الإبن المدلل للكرَملين، نظراً للإهتمام الذي يحظى به من القيادة العليا في البلاد، لخدماته وتفانيه في عملية ضبط إيقاع الوضع القوقازي ضمن البنية الفدرالية الروسية، وقد حصل الشيشاني الصلب والمدلل في آن واحد على ميدالية «بطل روسيا»، وهو أرفع وسام تمنحه المؤسسة العسكرية في البلاد.
ولطالما جسّد قديروف منذ تعيينه رئيساً للشيشان عام 2007، دور الفارس الذي لا يعرف الهزيمة والتراجع في ملاحقة ومواجهة الإرهابيين ليس في جمهوريته فحسب بل في القوقاز وسائر الاقاليم الروسية.
لكنّه في اطلالاته الإعلامية الأخيرة خرج عن إطار الدور الذي كان يقوم به منذ سبع سنوات الى ابعد من حدود روسيا، إذ اعلن أنّه شكّل مجموعة أمنية متخصصة لتتبع زعيم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام أبو بكر البغدادي وإحضاره لمحاكمته او القضاء عليه، مؤكّداً استعداده الشخصي لتصفيته لو سمحت الظروف بذلك.
ولم يكتفِ زعيم الشيشان بذلك بل أقسم أنّه نذر حياته لمحاربة من أسماهم بالشياطين، متعهداً عدم تراجعه عن ذلك بصرف النظر عن المتغيّرات التي قد تحصل.
لا شك أنّ قديروف اختبر الارهاب جيداً في تجربتة، إذ إنّ بلاده شكّلت ملجأً للحركات المتطرفة خلال ما يُعرَف بحربَي الشيشان بين عامَي 1994 و1999، بحيث تمكّن ما كان يعرف باللواء الإسلامي في الشيشان من غزو داغستان بهدف توسيع رقعة نفوذه في القوقاز، ما استدعى حينها تدخلاً عسكرياً روسياً حاسماً أفضى الى حصول الشيشان على حكم ذاتي ضمن أطر الاتحاد الروسي، في حين انصرف المتطرفون الى العمل السرّي وقد تمكنوا الى حدٍّ ما من اعادة ترتيب صفوفهم ضمن خلايا ارهابية استطاعت خلال السنوات العشر الماضية خرق الامن في البلاد وتنفيذ عدد من عمليات اجرامية في مناطق عدة من روسيا منها العاصمة موسكو.
وقد لعب قديروف دوراً مهماً في تعقّب الإرهابيين والحدّ من نشاطهم خلال الأعوام الماضية على كامل التراب الروسي الذي يغطي نحو 12 بالمئة من اليابسة، فالرجل على دراية كبيرة في الدين الإسلامي وقد نشأ وترعرع على يد والده احمد قديروف الذي شغل منصبَي مفتي الشيشان ورئيسها لسنوات عدة، وبصمات الوالد قديروف واضحة المعالم في نهج الابن، إذ إنّه يؤيد ويطالب دائماً بارتداء النساء الشيشانيات الحجاب، وقد حظّر الكثير من العادات المتناقضة مع احكام الدين في جمهوريته.
ولكن بعد توعد قديروف أمير "داعش"، يبرز السؤال حول الإمكانيات المتاحة له في تعقب البغدادي والقضاء عليه، ولا سيما أنّه نادراً ما يغادر الأراضي الروسية، وذلك بعد أن اتهمته منظمة "هيومان رايتس وتش" وعدد من الدول الأوروبية بارتكاب عمليات تعذيب ممنهَج بحق مواطنين شيشانيين في مراكز اعتقال سرية.
لكنّ قديروف لا بدّ من أن يفي بوعوده كما جرت العادة، وفي هذه المرة خصوصاً، إذ إنّ اعداداً كبيرة تقدر بالآلاف من ابناء جلدته قد انخرطت في صفوف الحركات الجهادية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وهذا ما يضعه في موقع حرج.
فهل ستتمكن المجموعة المتخصصة من إحضار «امير داعش» الى محكمة أمير الشيشان، أم أنّ حاكم الاقليم الشيشاني سيضطر شخصياً الى خوض غمار البحث عن البغدادي في ارض دجلة والفرات، أم أنّ تصريحاته لا تخرج عن نطاق هزّ العصى لمن عصاه في الشيشان؟
(عمر الصلح - )