تدور في إيران حرب يومية وحقيقية، على “البوابتين” البلوشية في جنوب شرق آسيا وهم في غالبيتهم من السنة، والكردية في غرب البلاد، وسط تعتيم كامل تقريباً. من وقت إلى آخر يصدر تصريح من هنا، أو خطاب لأحد القيادات العسكرية في احتفال رسمي، فيكشف قمة جبل الجليد دون زيادة أو توضيح. ويبدو مؤخراً أن رصيد التصريحات قد ارتفع، بعد أن أصبحت الحرب ضد “داعش” والتكفيريين مفتوحة على مصراعيها، وفي وقت منعت فيه إيران من الانضمام إلى هذه الحرب رغم معاناتها منها. ملاحقة كل هذه التصريحات والتحذيرات والانتصارات، تؤكد أن ما تواجهه ايران هو جزء مهم مما كانت تحذر منه، أي الصراع المذهبي الشيعي-السني من جهة، والقومي من جهة أخرى.
نائب قائد الحرس الثوري العميد حسين سلامي، قدم لتصريحات زملائه من القيادات، بتصريح رفع فيه من منسوب القوة لبلاده إلى أعلى الدرجات، فقال: “إن دور أميركا في المنطقة بات هامشياً، بعدما كانت اللاعب الأساسي”. أما من حلّ مكانها فليس إلا إيران، لذا يقول: “إن إيران باتت تؤدي بدلاً منها دوراً محورياً في هذه المنطقة الحساسة، في ظل حكمة القائد المرشد آية الله علي خامنئي”. وأضاف “خنادقها المتقدمة في شرق البحر المتوسط، وفلسطين واليمن والعراق وأفغانستان، تقطف الآن ثمار تضحيات الشهداء والمضحيّن”.
بعد هذا التصعيد اللاواقعي، يعود العميد سلامي إلى الواقع فيعترف: “إن الإرهابيين جاؤوا إلى سروان، لكنهم لم يتمكنوا من المقاومة واضطروا إلى الفرار بعد أن تكبدوا خسائر فادحة”. ويضيف: “مواجهتنا للإرهابيين هي مواجهة للسياسات الاستكبارية”. ويشرح قائد قوى الأمن الداخلي في محافظة سيستان بلوشستان العميد حسين رحيمي، كل ذلك بقوله: “إن المنطقة تحظى بأفضل الظروف الأمنية، رغم بعض الأشرار”.
“الأشرار” كما وصفهم العميد رحيمي، ليسوا على الحدود فقط، فهم تغلغلوا داخل إيران. وزير الاستخبارات محمد علوي، قدم حصيلة لهذه الحرب فقال: “اعتقلنا أكثر من 130 فرداً من مجموعات تكفيرية، وضبطنا حزامين ناسفين خلال مسيرات يوم القدس العالمي، وكميات ضخمة من المتفجرات، كانت معدّة للتفجير في مدينة مقدسة تزدحم بالناس (قم أو مشهد)، وأحبطنا تحركات لتنظيم (جيش العدل) السنّي، قبل تنفيذه أي عمل إرهابي”. بدوره، كشف مساعد وزير الداخلية العميد حسين ذو الفقاري، عن “إحباط 24 عملية انتحارية نفذتها مجموعات إرهابية على حدود البلاد خلال الأشهر الستة الماضية”.
الكلمة الفصل، تبقى لقائد الحرس الجنرال محمد محمد علي جعفري، فيقول:
*”إن القضية الأهم داخل البلاد في مناطق مثل الجنوب الشرقي وكردستان، هي قضية الوحدة بين الشيعة والسنة وجميع القوميات”.
*”إن الامن متوفر في حدودنا جنوب شرق البلاد، أمام كل الأرصدة الموظفة من جانب الأعداء الدوليين، سواء الأميركيين أو الصهاينة وبعض الأعداء الإقليميين”.
*إن نوعاً من (الصحوات) الإيرانية أو المليشيات، قد شُكلت وهي تشارك في المواجهات، إذ يقول الجنرال جعفري: “إن الأمن يسود في ظل تفويض الأمن إلى المواطنين والتعبويين البلوش”.
أصابع الاتهام الرسمية والعلنية من الحرس، حول ما يجري في مقاطعة سيستان بلوشستان، توجه حالياً إلى باكستان، وضمناً إلى السعودية. وقد جرى إطلاق قذيفة مدفعية أو أكثر على الأراضي الباكستانية، ويطالب البعض في طهران باقتحام الأراضي الباكستانية لملاحقة المجموعات التي تلجأ إلى داخلها.
حتى الآن، ما زالت الحوادث وردود الفعل مضبوطة، لكن لا شيء يؤكد أن الأمور ستبقى على هذا المستوى من التصعيد، لأن خروج “الشيطان” المذهبي من القمقم، يفتح الحدود بين أربع دول، هي إيران والسعودية وباكستان وأفغانستان (تتشارك الأخيرتان مع إيران في العامل القومي البلوشي)، على مواجهات غير محدودة في عنفها واتساعها.