ستفاق التحالف الدولي على وقع المعارك في طرابلس. الجيش وحده في مواجهة الإرهاب، وتحت مظلّة مزّقتها الحساسيات المذهبيّة، والتجاذبات السياسيّة. ما العمل؟
يقرّ بعض سفراء التحالف بالآتي:لبنان حالة أميركيّة خاصة. الأميركيّون لا يفرّطون بحضانتهم، ويرفضون أن يشاركهم آخرون بهذه الحضانة. بعد قيام التحالف الدولي أدركت واشنطن أهميّة الإمساك بهذه الساحة للإطلاع على الرسائل المتبادَلة، والحسابات الجارية على مستوى المنطقة. قائد الجيش العماد جان قهوجي شارك في الإجتماع الإستراتيجي لدول التحالف، وعاد بعد محادثاته في البنتاغون أكثر إقتناعاً بأنّ الولايات المتحدة وحدها التحالف الدولي، وما تبقّى مجرّد «كورس».
بعض سفراء دول التحالف يؤكد أنّ السفير الأميركي ديفيد هيل، هو ضابط إيقاع بإمتياز، حريص على التفاصيل، يدرك جيداً أنّ ما بعد طرابلس ليس كما قبلها. الامتحان صعب، خاضه الجيش بحرفيّة قتالية عالية لكنّ ظهره كان مكشوفاً للطعن والغدر. المظلّة الوطنيّة التي يفترض بها أن تحميه كانت تحتاج الى حمايته. هشّمتها الكيديات، وسياسة «البترودولار»، وأعماها الفساد والأنانيات، والمصالح الخاصة، والتشوّهات المذهبيّة والطائفيّة.
تدرك دول التحالف أنّ الطبقة السياسيّة بغالبية وجوهها قد سقطت، وإستقالت من دورها الوطني، وتحاول أن تعوّل على الجيش لحماية ما تبقّى لها من ماء وجه. يقرّ بعض السفراء أنّ شعار «دولة على الجميع، او لا دولة على أحد» بدأ يدٌق أبواب السفارات الغربيّة.
الشعار رفع في عزّ المعارك الضارية في عاصمة الشمال، وجاء الردّ سريعاً على لسان ضابط الإيقاع، «لدى الجيش والمؤسسات الأمنية للدولة فقط الدور الشرعي للدفاع عن لبنان». الرسالة في رسم «حزب الله»، وكلّ حزب، أو تنظيم، او طائفة تسعى الى التسلّح تحت شعار التحوّط للخطر الداهم.
لن يأتي «المارينز» الى لبنان لردع هذا التوجّه، لكنّ حمَلة السلاح اللاشرعي يدركون النتائج سلفاً، أحداث سبعينات وثمانينات القرن الماضي لا تزال في البال، وآثارها على الأرض. يدرك أصحاب السلاح اللاشرعي بأنّ المواجهات لم تعد في جرود القلمون، ولا في جرود عرسال، بل في الداخل، وإن في مكافحة الإرهاب إشكالية كبيرة لا يمكن التعامي عنها، او القفز من فوقها. في طرابلس، وفي عزّ المعارك إرتفعت تساؤلات: لماذا تُصوَّب البندقية الشرعيّة الى سلاح أهل السنّة، ولا تُصوَّب الى سلاح الشيعة؟
ولماذا الإرهاب صفة ملازمة للأصوليّة السنّية، فيما الأصوليّة الشيعيّة قد ذهبت الى سوريا لقتل أهل السنّة؟ يقرّ بعض سفراء دول التحالف أنّ بعد طرابلس ليس كما قبلها. يمكن أن تكون الجولة قد إنتهت، لكن متى الأخرى؟ ووفق
أيّ ظروف وأجواء داخليّة وإقليميّة؟ هناك طرق آمنة وسالكة ما بين القلمون وعرسال، وعرسال وطرابلس مروراً بالمنية والضنّية، وطرابلس وصيدا، وصيدا والبقاع الغربي. هناك مخيّمات نزوح، وبيئات حاضنة، وسلاح، وذخيرة، وبترودولار، وقنوات تمويل.
الدعم الوطني الذي آزر الجيش في المواجهات الأخيرة كان هشّاً، وقد يتعرّض لمزيدٍ من التداعيات في الجولات المقبلة. ظاهرة التسلّح لا تؤدي الى حلّ بقدر ما تؤدي الى متاهاتٍ لا عودة منها. الإستقرار المالي الإقتصادي الإجتماعي المعيشي أصبح وجهة نظر. الفوضى لا تملي فراغاً، والفراغ المحكوم بالفوضى يعممّ شريعة الغاب.
ما العمل؟
لبنان عضوٌ في التحالف الدولي، يقول بعض السفراء، وشارك في كلّ الإجتماعات التحضيريّة، إلّا أنّ كلمة السرّ رهن الإدارة الأميركيّة، وضابط الإيقاع هو مَن يتولى ترتيب مرحلة ما بعد طرابلس إنطلاقاً من سؤالين لا جواب عليهما بعد.
هل لبنان جزء من مخطط «داعش» و«النصرة» الذي يحفر عميقاً في تربة العراق وسوريا لتغيير حدود سايكس بيكو، والإمعان في رسم حدود الدويلات المذهبيّة ومقومات الإستمرارية لها، لتصبح إسرائيل الدولة اليهوديّة هي المثل والمثال؟
وهل يتحوّل سلاح «حزب الله» قاعدة لتعميم السلاح اللاشرعي على كل الأحزاب والطوائف والمذاهب بحجة مواجهة الإرهاب المتمثّل بالسلاح الأصولي في باب التبانة، والمنية، والضنّية، وعرسال، ومناطق أخرى، أم أنّ ضابط الإيقاع سيكون صادقاً في وضع قوله موضع الفعل: «لدى الجيش والمؤسسات الأمنية للدولة فقط الدور الشرعي للدفاع عن لبنان».