كيفما قلّبت وجهك, ومن أي الزوايا تطلعت ناحية ما حصل في كربلا, من موقع المتدين او من موقع الإنساني، من موقع المسلم الشيعي او من موقع المختلف فانك لن تجد في وقفة الحسين بن علي ورفضه المبايعة واعلانه الصريح بمعارضته السياسية لحاكم مستبد ظالم، معارضة كلفته روحه وارواح كل اللذين كانوا معه من اهل بيته واصحابه، حينها لا يسعك الا الإقرار بعظمة ذلك الموقف، واعتبار صاحبه من رجالات التاريخ الذين حملوا على كواهلهم رسم لوحة الإنسانية بالوان الرقي التي تليق بالبشر،
فالمجتمعات الإنسانية وما وصلت اليه الان من حالات تسامي ( بعيدا عنا )، انما هي تدين بما وصلت اليه لاصحاب تلك المواقف التاريخية، فلا يمكن اعتبار وثيقة حقوق الانسان العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة في 10 كانون اول/ ديسمبر 1948 بوصفها وثيقة المثل الأعلى المشترك الذي يمبغي ان تبلغه كافة الأمم والشعوب الا مرحلة متقدمة ونتاج لتراكم تاريخ انساني, وكربلا هي احدى تلك المحطات
وعند النظر الى موقف الامام الحسين وما جرى في كربلا من مأساة مروعة فقط من اجل تكريس مفهوم انساني هو مفتاح كل اغلال معاني المظلومية والبؤس والاضطهاد على امتداد الزمان والمكان، والمتمثل بالوقوف في وجه السلطة الجائرة ومنع تمادي جورها ونزع أي مشروعية عن ارتكاباتها، وتحت أي من المبررات والعناوين ( الخطر الخارجي – مؤامرة – ممانعة - ,, ) ويتحول بعد ذلك مفهوم رفض الظلم الى ما يشبه قاعدة إنسانية عامة مكرسة بالوجدان ومقّرة بالنفوس السامية ، حينها نستطيع ان نفهم بان ما قام به الامام الحسين( ع ) انما هو خدمة جليلة للبشرية جمعاء
وبهذا المعنى فقط يمكن إعطاء كربلاء المعنى الحقيقي الذي تختزنه، وبهذا المعنى فقط يمكن الاستفادة من استذكار واحياء هذه الذكرى، فالمشهدية الكربلائية ليست معقدة كما يحاول ان يوحي لنا قراء السيرة الحسينية ومن يدّعون حمل لواء الحسين، بل يمكن اختصارها واختصار احداثها بعيدا عن الكثير من التفاصيل التي افرغت وتفرغ كل يوم من جوهر القضية على الشكل التالي: حاكم ظالم ورث السلطة وفي المقابل مصلح رافض للظلم،
وان أي مقاربة لواقعة كربلاء بعيدة عن هذا الجوهر لا تعتبر اكثر من طقوس فولوكلورية لا علاقة للحسين بن على بها واكثر من ذلك، فقد يؤدي البُعد عن الفهم الحقيقي للموقف الحسيني هذا الى مسخ مؤدى هذه الذكرى، فيغدو احدهم يحمل سيف الظالم ويقاتل الى جانبه ويرفع لواءه، فيما هو يرتدي قميصا اسودا حزنا على الامام الحسين، ولعل اكثر ما يسيء الى نهضة الامام الحسين (ع) الإنسانية , هو حين اعتبار نهضته كردة فعل مذهبية, وبالتالي تحجيم هذا الامام العظيم من حامل لمشعل حرية الانسان, الى مجرد امام شيعي.