بخلاف العادة الجارية، أحيطت زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى المملكة العربية السعودية بالكثير من الغموض والتكتم، لا بيان واضحاً حول هذه الزيارة وظروفها وأسبابها، ولا حتى توضيحاً صريحاً عن الشخصيات التي التقاها، بعض الاجواء المستقاة من المقربين من حزب القوات ومن بعض حلفائه تشي بالعديد من التناقضات حول اهداف الزيارة وما جرى فيها. في الزيارة السابقة التي قام بها جعجع إلى السعودية حرص على تظهيرها، لقاءات مصورة ومؤتمرات صحافية، هذا ما لم يحصل هذه المرّة، لماذا؟ ليس هناك من يجيب، كما لا تتوافر أجوبة واضحة عن نتائج الزيارة.
بداية، حصل التناقض حول تزامن زيارة جعجع إلى المملكة مع زيارة النائب سامي الجميل إليها، رشحت أخبار عن أن لا علم لجعجع بزيارة الجميل، ووجودهما هناك ليس إلّا محض مصادفة، وفي معلومات حصلت عليها "المدن" فإن السفير السعودي علي عواض العسيري الذي رافق جعجع في زيارته، قال لأحد سائليه من السياسيين اللبنانيين عن أن الرجلين طلبا مواعيد في المملكة وحددت في التوقيت نفسه، وهذا هو جوهر الموضوع.
في المقابل، أحد المقربين من المملكة والمطّلعين على علاقاتها اللبنانية يشير لـ"المدن" إلى أنه منذ شهر آب الماضي كان العمل جارياً لعقد لقاء سعودي مع مسيحيي قوى الرابع عشر من آذار، وتحديداً مع الكتائب والقوات، وفي البداية جعجع هو من تمنّع، فاستمرّت الإتصالات لإنضاج هذه الزيارة، التي تدلّ على أن السعودية حريصة على لبنان واللبنانيين، لا سيما انها تريد التأكيد على أنها متمسكة بحماية التنوّع في لبنان، وأنها الحاضنة الأبرز للقوى المسيحية فيه.
ترجّح مصادر "المدن" إنعقاد اللقاء بين جعجع والجميل بحضور إحدى الشخصيات السعودية، إذ جرى التأكيد على وجوب حماية الإستقرار اللبناني، وتعزيز حلفاء السعودية في لبنان، كذلك إلتقى كلّ من جعجع والجميّل الرئيس سعد الحريري، وجرى البحث في مختلف المواضيع الداخلية والخارجية. وتشير مصادر مقرّبة من القوات لـ"المدن" إلى أن اللقاء بين جعجع وكبار القادة السعوديين كان جيّد جداً، وحصل إتفاق تام على مجمل الأمور التي تم التباحث بها، بدءاً من سوريا والعراق وصولاً إلى لبنان. ويضيف المصدر أن هذه النظرة المشتركة تفيد بأن الإستحقاق الرئاسي مؤجل إلى حين تبلور أمور إقليمية تتيح إنتخاب رئيس توافقي، خصوصاً أن الشق المتعلق بالإنتخابات الرئاسية من هذه المفاوضات أفضى إلى رؤية واحدة انه لا مجال إلّا إلى انتخاب رئيس توافقي، ولكن هذا ليس متاحاً اليوم بفعل تشبّث النائب ميشال عون بترشيحه. وهنا بحسب المصادر فإن أحد المسؤولين السعوديين الذين التقاهم جعجع حاول سؤاله عن عون وترشيحه إلاّ أن جواب جعجع كان حازماً جداً لجهة رفض عون وإعتباره شخصاً تعطيلياً ومضرّاً بأي مصلحة سعودية.
أما اللقاء مع الرئيس سعد الحريري فقد كان طويلاً، وتخلّلته مأدبة عشاء، تم الإتفاق خلاله على مجمل الأمور، بإستثناء التمديد للمجلس النيابي وفق ما تشير المصادر المطّلعة، التي تضيف لـ"المدن": "بالتأكيد القوات والكتائب لن يوافقا على التمديد علناً وإن كانا يوافقان عليه ضمناً، خصوصاً بعد هذه الزيارة كي لا يقال إن موقفهما تغيّر بعد الزيارة إلى السعودية"، ويؤكد المصدر أنه بمجرّد المشاركة في الجلسة التي ستقرّ التمديد تكون الميثاقية مؤمنة، لأن الميثاقية تكمن بالحضور والمشاركة وليس بالتصويت.
بعيداً من كلّ الكلام الذي قيل، يبقى لافتاً عدم إدلاء جعجع بأي تصريح، كما أن البيان الذي صدر عن مكتبه الإعلامي لم يشر إلى إسم أي شخصية سعودية التقاها، هذا ما يتّخذه البعض ذريعة ليقول إن "الزيارة لم تنجح، ولم تكن وفق ما يتمنّى رئيس القوات". هناك من يذهب أكثر من ذلك في التشاؤم، فيعتبر أن الشخصيات التي التقاها جعجع لم تناسب طموحه. في المقابل، هناك من يؤكد أنه بمجرّد حصول الزيارة إلى المملكة هذا يعني أنها نجحت، وجعجع لم يرد الكلام لأنه العليم بالعقل السعودي الذي يحبذ التكتم في هذه المرحلة، جعجع تلقّى دعماً كبيراً خلال هذه الزيارة. وعلى أي حال، لا يمكن التنبؤ بما حصل، ولكن تبقى نتائج هذه الزيارة مرهونة بالأيام القليلة المقبلة، إذ بالتأكيد ستظهرها التطورات، سواء كانت في سياق المواجهة السعودية الإيرانية، أو لجهة نجاحها من عدمه.