إذا لم يشارك مسيحيّو 14 آذار في جلسة التمديد للمجلس النيابي، وإذا تمسَّك العماد ميشال عون بالمقاطعة، فإنّ الرئيس نبيه برّي لن يعقد الجلسة، ولو اكتملَ نصابُها، لأنّها لن تكون ميثاقية، وفق ما يؤكّد. وفي هذه الحال، يكون المجلس قد كرَّس الوصولَ إلى الفراغ الشامل!
تتحفَّظ «القوات اللبنانية»، بعد عودة الدكتور سمير جعجع من السعودية، في الكلام على التمديد. وتبدو في صدد دراسة متأنّية لموقفها، لأنّ انعكاساته ستكون بالغة الأهمّية. لكنّها لن تتخلّى عن تنسيقها مع «المستقبل». وفي مناسبات سابقة، كقانون الانتخاب في العام الفائت، فضَّلت وحدةَ 14 آذار على أيّ إعتبار آخر.ويقابل «المستقبل» هذا التنسيق بالتمسّك بجعجع مرشّحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية. وتنفي «القوات» أن تكون هناك أيّ طروحات أخرى قيد البحث في هذا المجال. ولكنّ المؤكّد هو أنّ «القوات» ستحضر الجلسة، لكنّها لن تصوِّت لمصلحة مشروع القانون. وهاجسُها هو عدم إيصال البلد إلى الفراغ الشامل الذي ربّما يريده «حزب الله» لبلوغ المؤتمر التأسيسي المنشود.
وسيكون موقف «القوات» هو الغطاء المسيحي الأبرز لقرار التمديد، فيما الكتائب تبدو أقلّ اقتناعاً بالمشاركة، على رغم زيارة النائب سامي الجميّل للسعودية، فيما «تكتّل التغيير والإصلاح» ذاهب إلى التصعيد ضدّ الجلسة، وبكركي عبَّرت عن رفضها الصريح. وأمّا رئيس الجمهورية الماروني، الذي كان يمكن أن يمنح التمديد بعضاً من التغطية المسيحية فهو ليس موجوداً.
إذاً، هناك تغطية مسيحية للجلسة، من خلال «القوات» حتى الآن. وفي هذه الحال، سيكون الرئيس نبيه برّي أمام التحدّي: هل يدعو إلى الجلسة بمشاركة «القوات» ومسيحيّي الكتل الأخرى غير المسيحية؟ فالرئيس برّي، إذ يؤكّد أنّ الانتخابات النيابية لا تُجرى من دون تغطية الطائفة السنّية، لا يستطيع التمديد للمجلس من دون تغطية مسيحية. لكنّ المفارقة هي أنّ عون المقاطع هو حليفُه أو حليفُ حليفِه في 8 آذار.
عند هذه النقطة تنصبُّ جهود 14 آذار. فالهاجس الأساسي هو عدم منح «حزب الله» تبريراً يعطِّل الجلسة، ما يعني الانزلاقَ إلى الفراغ الشامل، ومن ثمّ المؤتمر التأسيسي. وأيّاً يكن الأمر، فـ«القوات»، وفق المطّلعين على موقفها، ستحضر الجلسة لتغطية انعقادها على الأقلّ، ولو لم تصوِّت لمصلحة التمديد انسجاماً مع موقفها الأساسي برفضه.
وتُدرك 14 آذار أنّ تعطيل جلسة التمديد، في المدى الزمني القصير الباقي من الولاية، أي بين ذكرى عاشوراء في 3 تشرين الثاني والـ20 منه، سيعني الدخول في الفراغ: لا رئيس للجمهورية ولا مجلس نيابياً... وأيضاً سيكون مصير حكومة الرئيس تمام سلام على المحكّ، إذ ستكون هناك طروحات ونظريات دستورية متضاربة حول مصيرها في غياب السلطة التشريعية.
وهذا الواقع سيؤدّي إلى بَلبلة سياسية واسعة. فمَن سيقود البلد، ومَن سيكون المرجعية للمؤسسات العسكرية والأمنية والمالية والإدارية في ظروف حسّاسة على مستوى لبنان والشرق الأوسط، ولا سيّما المواجهة التي يخوضها الجيش مع الإرهاب؟
ثمّة مَن يسأل: هل هي اللحظة التي ينتظرها «حزب الله» لطرح مؤتمره التأسيسي على الطاولة؟ فالدعوة التي أطلقها أمينه العام السيّد حسن نصرالله قبل عامين تنضج خطواتها في شكل انزلاقيّ.
ووقوع الفراغ الشامل سيدفع بالجميع، قبل «الحزب»، إلى المطالبة بمؤتمر تأسيسيّ يُعيد إنتاج النظام والسلطة. وقد يُصار إلى التخفيف من تسميته حفاظاً على ماء الوجه، لكنّ المطلوب في العمق معروف. وربّما يكون من مصلحة «الحزب» أن يفرض اليوم مؤتمرَه التأسيسي كي يستفيد من تفوُّقه في معادلة موازين القوى القائمة حاليّاً، فتأتي الصيغة الجديدة ملائمة له.
ولذلك، يأخذ مسيحيّو 14 آذار، ولا سيّما «القوات»، في جدّية، تحذيرات الحلفاء الذين يدعونهم إلى عدم تسهيل رغبة «حزب الله»، وتالياً المشاركة في جلسة التمديد. وسيتمّ إرضاء الهواجس المسيحية بجعل التمديد مشروطاً ببندِِ ينصّ على إجراء الانتخابات النيابية فوراً إذا تمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
في المبدأ، جلسة التمديد ستنعقد. لكنّ المفاجآت واردة، حيث يكون «حزب الله» في المرصاد، ليفرضَ الفراغ والمؤتمر التأسيسي. فهل يفعلها «الحزب»؟