لا شكّ في أن التطوّرات الميدانية التي بدأت تتوسّع على أكثر من جبهة، تطرح أسئلة قد تكون محورية.

غَنيٌّ عن القول إنّ التسريبات التي تحَدّثنا عنها منذ أيام حول الخطة التي تأمل الولايات المتحدة في تطبيقها، سواءٌ في العراق أو في سوريا، يبدو أنّها بدأت تسلك طريقها إلى التنفيذ العملي. هذا ما يُفسّر على الأقلّ الحماسة الأميركية لـ«صمود» الأكراد في كوباني.

تعتقد أوساط أميركية عدة بأنّ ما سعَت إليه واشنطن عندما وضعت شروطها قبل تدخّلها في الحرب على «داعش»، بدأ يتحقّق على الأرض، مع اكتمال عقد الحكومة العراقية، والدخول الأميركي القوي على خط المعارك الدائرة في كوباني.

هناك مَن يقول إنّ الموجة الارتدادية المتوقّعة جرّاء «الإنجازَين» السياسي والعسكري في العراق وسوريا، سيمنح التحالف الدولي صدقيّة أكبر، على رغم الاقتناع بأنّ المعركة لا تزال في بداياتها.

يؤكّد مصدر أميركي مطّلع «أنّ واشنطن كانت تفتّش عن جهة سوريّة موثوقة، يمكن الاتّكال عليها لتكون نواة «الجيش الوطني السوري» الجديد الذي تعمل على بنائه في المرحلة المقبلة.

فمع إعلانها البدء في تدريب وحدات منها، بعد الاتّفاق على زيادة العدد إلى 10000 مقاتل، ونجاحها في انتزاع الضمانات الكافية من المسلحين الأكراد بفكّ ارتباطهم جدّياً مع النظام السوري، والإعلان عن مشاركة فصائل من «الجيش الحر» في معارك كوباني، فإنّ الأمور ستتّجه الى المباشرة في تطبيق الآليات التي كُشِف عنها، بشأن سُبل التعامل مع الأوضاع السورية في المستقبل».

ويقول هذا المصدر: «وكأنّ التاريخ يعيد نفسه: فالنجاح في تأمين الحماية لأكراد العراق، مهَّدَ لسقوط حكم صدّام حسين، وتأمين الدعم لهم في سوريا قد يشكّل بداية لسقوط نظام الرئيس بشّار الأسد، لكن هذه المرة في صيغة مخالفة تماماً لما شهدَه العراق. كان يمكن للأسد أن يلتقط الإشارات والتحذيرات التي أبلغَها إليه وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول بُعيدَ اجتياح العراق، غير أنّه فضّل الاتّجاه بنحو معاكس».

وإذ يشير المصدر إلى كتابات وتحليلات تتحدّث عن «تواطؤ» أميركي – إيراني ضمني، على حساب دول المنطقة وقواها الرئيسة، يرى أنّ الأمر ليس بهذه البساطة والسطحية. فصحيح أنّ موقع إيران مهمّ، وهي تلعب دوراً مؤثّراً في مجمل أزمات المنطقة، إلّا أنّ الهَمّ الأساسي لواشنطن، هو معرفة المخارج التي سيرسو عليها الوضع الإيراني داخلياً، قبل أيّ حديث آخر.

فإيران التي نتحدّث عنها اليوم ليست إيران الشاه، وملفّها النووي ليس الإشكالية الكبرى، في الوقت الذي تُدرك فيه أنّ الحصول على القنبلة النووية مستحيل. غير أنّ الحديث عن مقايضات معها في ملفات المنطقة لا يستقيم قبل اقتناعها باستحالة تحقيق مشاريعها الإقليمية، بصرف النظر عن صداماتها المتتالية مع مكوّنات هذه المنطقة.

ويُحذّر البعض من أنّ أحداث اليمن قد تكون ارتداداتها أعمق بكثير ممّا خطَّط له من يقف وراءها. فهي وصفة كاملة لإدارة حرب مذهبية، خصوصاً إذا نجح هؤلاء في قسمة الشعب اليمني بين متطرّفي الحوثيين ومتطرّفي «القاعدة».

وعلى رغم إدراك المصدر الأميركي أنّ طهران مستمرّة في اعتماد السياسات نفسها في مختلف أزمات المنطقة، يقول «إنّ الأمر يعكس في جانب منه نزاعاً داخليّاً لا أحد يعلم كيف ستكون نهاياته».

ويؤكّد أنّ المرحلة المقبلة ستشهد بداية تعديلات لا يستهان بها، وستترك أثرَها الأكيد على الآلية السياسية التي تُدير من خلالها طهران نزاعاتها وتحالفاتها فيها. فالوضع في سوريا يحتاج إلى «صدمة» سياسية وميدانية تُعيد تحديد أحجام الأطراف المتنازعة.

وفيما كشفَت مصادر أميركية عن بدء تسيير طائرات بلا طيّار فوق شمال سوريا انطلاقاً من الأراضي التركية، أكّدت أوساط أخرى أنّ «شروط» تركيا التي وضعتها قبل موافقتها على الانخراط في أنشطة التحالف الدولي، يبدو أنّها ستأخذ طريقها إلى التحقّق، بعدما اقتنعت أنقرة بضرورة إجراء تعديلات جدّية عليها.

إسقاط الأسد لم ولن يسقط من حسابات أحد، إنّما إخراج العملية يرسم صورة المنطقة. ولكن قبل ذلك، ما ينبغي إدراكه أنّ إعادة تسليم سوريا إلى جماعات متطرّفة في معزل عن التمويهات التي سيلجأ اليها بعض القوى لإظهار نفسه على غير حقيقته سيكون أكثر صعوبة.

 

جاد يوسف