عانى لبنان ما عاناه من حروب وأزمات مازالت مفتوحة على المجهول نتيجة للوجود الفلسطيني الذي أدّى الى حرب أهلية , والى حروب دائمة مع العدو الاسرائيلي . هكذا ينظر الكثيرون من اللبنانيين الى الفلسطينيين كسبب رئيس في محنهم الداخلية وتورطهم الخارجي نتيجة لقضية مستصعب أمرها ان لم يكن مستحيلاً, كما هو حالها منذ ما يزيد عن ستين سنة.
منذ عام 1982 , أيّ منذ الاحتلال الاسرائيلي لبيروت , وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من المعادلة اللبنانية على ظهر باخرة للمحتل , وحتى توقيع أوسلو, وصولاً الى السلطة الفلسطينيّة . والمخيمات الفلسطينية نائمة داخل هواجسها المتعددة بعيدة ومستبعدة عن أيّ دور في الساحة اللبنانيّة , وكان للنظام السوري الدور الوحيد في تجميد التدخلات الفلسطينيّة بالساحة اللبنانية بعد أن استطاع الأسد من جعل المخيمات أسيرة "فتحويات "كثيرة , لا أسيرة حركة فتح التي باتت فصيلاً صغيراً تتقاسمه قيادات مرتبط أكثرها بقرار غير فلسطيني.
بعد خروج سورية من لبنان تحرر الفلسطينّيون نسبياً من ضغط الأمن السوري, وبات خروجهم من هواجسهم أمراً ممكناً في ظلّ حراك عربي يعيد تركيب النخب السلطوية وفق مشتهيات وخيارات مخالفة للقواعد القديمة , وبدت الأزمة السورية , ومن ثمّ الحرب فيها خياراً سوريّاً ومطلباً يدفع بهم الى النزول على واقع يستدعيهم اليه باسم الانتقام السياسي مرّة, وباسم الدعوات المذهبية مرّات عديدة , ورغم المحاولات الحثيثة لادخال العنصر الفلسطيني في الحرب السورية , صمد الفلسطينيّون أمام مُغريات الحرب هناك , وامتنعوا عن أن يكونوا طرفاً لبنانيّاً رغم الفرص السانحة لهم, ورغم الأسباب الموضوعية المتاحة للفلسطينيّين كيّ يعودوا الى المعادلة اللبنانية , ومن أوسع الأبواب.
حتى الآن أفلح الفلسطينيّون في اختبار جرهم الى حربين وأبدوا مناعة في الاستخدام لصالح ثورات عربية تعيد انتاج واقع عربي مقلق مستقبلاً ومكلف حاضراً, الاّ أنه الفرصة المعدومة للتخلص من أورام العائلات المستبدة منذ ما يزيد عن أربعين سنة.
ولكن الى متى سيبقى الفلسطينيّون خارج سياق المنطقة التي تحتاجهم وبقوّة لتغيير المشهد السياسي في سورية ولبنان ؟
سؤال مطروح وبقوّة ويعوّل عليه كثيراً لنصرة السُنة في البعد المذهبي المطروح للحروب وأبعادها, ولتصحيح المسار العربي باتجاه عروبية المنطقة لا فارسيتها في البعد الاقليمي المتوفر في الحروب الدائرة في العراق وسورية واليمن , وللاقتراب من توازنات جديدة تقف عملية السلام في أولى شروطها للانتهاء من مرض الارهاب الذي يجد له أرضاً خصبة في الصراع العربي- الاسرائيلي الذي لم يتصارع فيه أحد بالقدر الذي اصطرع عليه الكثيرون لاعطاء مصالحهم شرعية النضال ضدّ وهم صنعوه لتبرير أفعالهم في الاستبداد والقهر والقتل.
هذا ما تراه أطراف عربية , وتدّعي فرصة التخلص من ثوار وثورات أحرقوا المنطقة واستبدّوا بالدول العربية والاسلامية تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة , واغتنموا فرصة الاحتلال الاسرائيلي لتعزيز مصالح دول كان من المستحيل استمرارها لولا استخدام القضية الفلسطينية لصالح استبدادها السياسي تماماً كما تفعل الدولة الفارسية باسم القضية الفلسطينية لتثبيت موقعها النافذ في شرق أوسطي مغري لحكمه من خلال حرقه للتمكن منه.
اذاً للفلسطينيين في لبنان دوراً منتظراً من قبل المراهنين عليه وظروفه العربية ناضجة جداً , وحاجتهم الداخلية تتطلب خروجاً من مأزق المخيمات المفتوحة على أشكال متعددة من التنظيمات المخربة للأمن الفلسطيني والمدعومة من جهات معروفة بعدائها لقيادة المنظمة والممولة لصالح استثمارات أمنية لا تصبّ بمصلحة الفلسطينيين.
ثمّة دعوة عربية مفتوحة للفلسطينيين في لبنان لنُصرة النُصرة في سورية وللمساهمة في تغيير واقع القوّة في لبنان في مرحلة تاريخية ومفصلية لن تبقي أحداً على حياد الحروب القائمة في منطقة تحتاج الى كل أبنائها للمساهمة في مستقبلها.
هكذا يرى عرب الربيع العربي دوراً فلسطينيّاً متقدّماً في سياق الثورات المدعوة الى حصد المزيد من التحولات لصالح شرق أوسطي جديد.